فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَةٗۚ قُلۡ أَتَّخَذۡتُمۡ عِندَ ٱللَّهِ عَهۡدٗا فَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ عَهۡدَهُۥٓۖ أَمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (80)

{ عهدا } وعدا عهده إليكم في وحيه

{ وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة } عن الضحاك{[322]} قال : قالت اليهود لا نعذب في النار في يوم القيامة إلا أربعين يوما مقدرا ما عبدنا العجل ، ولقد بينت آية كريمة أخرى إمعانهم في الافتراء وسفه الخيلاء والاستعلاء فقال ربنا ذو الجلال والعزة والكبرياء { وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك آمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين }{[323]} ورد الله تعالى ما ادعوه ، وبشر أهل الإيمان والإحسان بأنهم دون غيرهم أصحاب النعيم والمثوبة والفوز والرضوان { بلى من أسلم وجهة لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون }{[324]} { قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده } فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسألهم : هل لهم عند الله عهدا وعهدهم إياه في وحيه أو ادخرتم وقلتم لا إله إلا الله ولم تشركوا ولم تكفروا به فإن كنتم قلتموها فارجوا بها وإن كنتم لم تقولوها فلم تقولون على الله ما لا تعلمون . والاستفهام هنا الإنكار .


[322]:ورواه ابن زيد مرفوعا بزيادة فقال حدثنى أبي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لهم: أنشدكم بالله وبالتوراة التي أنزلها الله على موسى من أهل النار الذي أنزلهم الله في التوراة؟ قالوا إن ربهم غضب عليهم غضبة فنمكث في النار أربعين ليلة ثم نخرج فتخلفوننا فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كذبتم والله لا نخلفكم فيها أبدا) فنزل القرآن تصديقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم وتكذيبا لهم{ وقالوا لن تمسنا النار إلى أياما معدودة قل اتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون} لكن الذي جاء في الصحيح ليس فيه أن قولهم ورد الرسول صلى الله عليه وسلم عليه هو سبب نزول الآيتين الكريمتين وروى الإمام أحمد والبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اجمعوا لي من كان من اليهود هنا) فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أبوكم) قالوا فلان قال كذبتم بل أبوكم فلان فقالوا صدقت وبررت ثم قال لهم (هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه قالوا نعم يا أبا القاسم وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أهل النار) فقالوا: نكون فيها يسيرا ثم تخلفونا فيها فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (اخسؤوا والله لن نخلفكم فيها أبدا) ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه) قالوا نعم يا أبا القاسم قال هل جعلتم في هذه الشاة سما) فقالوا نعم قال (فما حملكم على ذلك)؟ قالوا أردنا إن كنت كاذبا أن نستريح منك وإن كنت نبيا لم يضرك.
[323]:سورة البقرة الأية111.
[324]:سورة البقرة الآية 112.