قوله تعالى : { إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } . . هذا استثناءٌ مفرَّغٌ ، فأيَّاماً منصوبٌ على الظرفِ بالفعلِ قبلَه ، والتقديرُ : لَنْ تَمَسَّنا النارُ أبداً إلا أياماً قلائلَ يَحْصُرُها العَدُّ ، لأن العَدَّ يَحْصُر القليلَ ، وأصلُ أَيَّام : أَيْوام لأنه جمعُ يوم ، نحو : قَوْم وأَقْوامٍ ، فاجتمع الياءُ والواوُ وَسَبَقَتْ إحداهُما بالسكونِ فَوَجَبَ قَلْبُ الواوِ ياءً وإدغامُ الياءِ في الياءِ ، مثل هيّن وميّت .
قوله : { أَتَّخَذْتُمْ } الهمزةُ للاستفهامِ ، ومعناهُ الإِنكارُ والتقريعُ ، وبها استُغْنِيَ عن همزةِ الوصل الداخلةِ على " اتَّخَذْتُم " كقوله : { أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ }
[ سبأ : 8 ] ، { أَصْطَفَى } [ الصافات : 153 ] وبابه . وقد تقدَّم القولُ في تصريفِ { اتَّخَذْتُمُ } [ البقرة : 67 ] وخلافُُ أبي علي فيها . ويُحْتَمَلُ أَنْ تكونَ هنا متعديةً لواحد . قال أبو البقاء : " وهو بمعنى جَعَلْتُم المتعدية لواحد " ، ولا حاجةَ إلى جَعْلِها بمعنى " جَعَل " في تعدِّيها لواحد ، بل المعنى : هل أَخَذْتُم مِنَ اللهَ عَهْداً ، ويُحتملُ أَنْ تتعدَّى لاثنين ، والأولُ " عهد " ، والثاني " عند الله " مقدَّماً عليه ، فعلى الأولِ يتعلَّقُ " عند الله " باتَّخَذْتُمْ ، وعلى الثاني يتعلَّقُ بمحذوفٍ . ويجوزُ نَقْلُ حركةِ همزةِ الاستفهامِ إلى لام " قُلْ " قبلَها فَتُفْتَحُ وتُحْذَفُ الهمزةُ وهي لغةٌ مطَّرِدَةٌ قرأَ بها نافع في روايةِ ورش عنه .
قوله : { فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ } هذا جوابُ الاستفهامِ المتقدِّمِ في قوله : { أَتَّخَذْتُمْ } وهل هذا بطريقِ تضمينِ الاستفهامِ معنى الشرطِ ، أو بطريقِ إضمار الشرطِ بعدَ الاستفهامِ وأخواتِهِ ؟ قولان ، تقدَّم تحقيقُهما . واختار الزمخشري القولَ الثاني ، فإنه قال : { فَلَنْ يُخْلِفَ } متعلِّقٌ بمحذوفٍ تقديرُه : إن اتَّخَذْتُمْ عندَ الله عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عهدَه " . وقال ابنُ عطية : " فلن يُخْلِف اللهُ عهدَه : اعتراضٌ بين أثناءِ الكلامِ . كأنه يَعْني بذلك أنَّ قولَه : " أم تَقُولون " مُعادِلٌ لقولِه : " أَتَّخَذتم " فَوَقَعَتْ هذه الجملةُ بين المتعادِلَيْنِ معترضةً ، والتقديرُ : أيُّ هذين واقعٌ ؟ اتِّخاذِكم العهدَ أم قولِكم بغيرِ علمٍ ، فعلى هذا لا محلَّ لها من الإِعراب ، وعلى الأول محلُّها الجَزْمُ .
قوله : { أَمْ تَقُولُونَ } أمْ " هذه يجوزُ فيها وجهانِ ، أحدُهما : أَنْ تكونَ متصلةً فتكونَ للمعادلةِ بين الشيئين ، أي : أيُّ هذين واقعٌ ، وأَخْرَجَهَ مُخْرَجَ المتردِّدِ فيه ، وإنْ [ كان ] قد عُلِم وقوعُ أحدِهما ، وهو قولُهم على اللهِ ما لا يعلمون للتقرير ، ونظيرُه : { وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }
[ سبأ : 24 ] وقد عُلِمَ أيُّهما على هدىً وأيُّهما في ضلالِ ، وقد عَرَفْتَ شروطَ المتصلةِ أولَ السورة . ويجوزُ أن تكونَ منقطعةً ، فتكونَ غيرَ عاطفةٍ ، وتُقَدَّر ب بل والهمزةِ/ والتقديرُ : بل أتقولون ، ويكونُ الاستفهامُ للإِنكارِ لأنه قد وقع القولُ منهم بذلك ، هذا هو المشهورُ في أمِ المنقطعةِ . وزعم جماعةٌ أنها تُقَدَّر ب " بل " وجدَها دونَ همزةِ استفهامٍ ، فَيُعْطَفُ ما بعدَها على ما قبلها في الإِعرابِ ، واستدَلَّ عليه بقولِهم : إنَّ لنا إبلاً أَمْ شاءً ، بنصْبِ " شاء " وقول الآخر :
وَليْتَ سُلَيْمى في المَنَامِ ضَجيعتي *** هنالِكَ أَمْ في جنةٍ أَمْ جَهَنَّمِ
تقديره : بل في جهنَّمَ ، ولو كانَتْ همزةُ الاستفهامِ مقدَّرةً بعدَها لَوَجَبَ الرفعُ في " شاء " و " جهنم " على أنها خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ ، وليس لقائلٍ أن يقولَ : هي في هذين الموضعينِ متصلةٌ لِمَا عُرِفَ مِنْ أنَّ شرطَها أَنْ تتقدَّمَها الهمزةُ لفظاً أوْ تقديراً ، ولا يَصْلُحُ ذلك هنا .
قوله : { مَا لاَ تَعْلَمُونَ } " ما " منصوبةٌ بتقولون ، وهي موصولةٌ بمعنى الذي أو نكرةٌ موصوفةٌ ، والعائدُ على كِلا القَوْلَيْنِ محذوفٌ ، أي : ما لا تعلمونه ، فالجملة لا محلَّ لها على القولِ الأولِ ، ومحلُّها النصبُ على الثاني ولا يَجُوزُ أن تكونَ هنا مصدريةً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.