تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَةٗۚ قُلۡ أَتَّخَذۡتُمۡ عِندَ ٱللَّهِ عَهۡدٗا فَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ عَهۡدَهُۥٓۖ أَمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (80)

الآية 80 وقوله : { وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة } أجمع أهل التفسير والكلام على صرف الأيام المعدودة المذكورة في هذه الآية إلى أيام عبادة العجل . وذلك لا معنى له لوجهين :

أحدهما : أن هؤلاء لم يعبدوا العجل ، وإنما عبد آباؤهم ، فلا معنى لصرف ذلك إلى هؤلاء .

والثاني : لو صرف{[1036]} ذلك إلى آبائهم الذين عبدوا العجل لم يحتمل أيضا لأنهم قد تابوا ، ورجعوا عن ذلك ، فلا معنى للتعذيب على عبادة العجل بعد التوبة والرجوع إلى عبادة الله كقوله : { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } [ الأنفال : 38 ] ، والله أعلم .

وتصرف الأيام المعدودة إلى العمر الذي عصوا فيه ، لما لم يروا التعذيب إلا على قدر وقت العصيان والذنب ، أو لما لم يكونوا يرون التخليد في النار أبدا ، أو لما هم عند أنفسهم كما أخبر الله عنهم كقولهم{[1037]} : { وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى } [ البقرة : 111 ] وكقولهم : { وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه } [ المائدة : 18 ] يقولون إنا لا نعذب أبدا ، إنما نعذب تعذيب الأب ابنه الحبيب{[1038]} ونعذب{[1039]} في وقت قليل ، ثم يرضى ، وندخل{[1040]} الجنة . ولكن عقوبة الكفر أبدا والتخليد فيها لا لوقت . فعلى ذلك جزاؤه للأبد لا لوقت . وأما من ارتكب ذنبا من المسلمين بشهوة تغلبه في وقت ، فيرتكبه ، ثم يتركه ، فإنما يعاقب ، إن عوقب ، على قدر ما ارتكب في وقت ، لأنه لم يرتكبه للأبد ، لذلك افترقا . والله أعلم .

وقوله : { قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده } والعهد يحتمل [ وجهين :

أحدهما ]{[1041]} : هل خبر عن الله تعالى بأنكم لا تعذبون أبدا ، ولكن أياما معدودة ؟ فإن كان لكم هذا فهو لا يخلف عهده .

والثاني { أتخذتم عند الله عهدا } أي ألكم{[1042]} أعمال صالحة عند الله ، فوعدكم بها الجنة ، فهو لا يخلف وعده ؟ أي ليس لكم واحد من هذين : لا خبر عن الله بأنه لا يعذبكم ولا أعمال صالحة وعد لكم بها الجنة .

وقوله : { أم تقولون على الله ما لا تعلمون } هذا إكذاب من الله عز وجل إياهم بذلك القول ، كأنه قال : بل تقولون على الله ما لا تعلمون .


[1036]:- في ط م: صرفت
[1037]:- في النسخ الثلاث بقوله.
[1038]:في ط م: أو الحبيب حبيبه.
[1039]:- في النسخ الثلاث: يعذب.
[1040]:- في النسخ الثلاث: ويدخل.
[1041]:- ساقطة من النسخ الثلاث.
[1042]:- الهمزة ساقطة من النسخ الثلاث.