غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَةٗۚ قُلۡ أَتَّخَذۡتُمۡ عِندَ ٱللَّهِ عَهۡدٗا فَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ عَهۡدَهُۥٓۖ أَمۡ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (80)

75

{ وقالوا لن تمسنا النار } نوع آخر من قبائح أفعالهم وهو جزمهم بأن الله تعالى لا يعذبهم إلا أياماً معدودة قليلة ، وهذا الجزم مما لا سبيل إليه بالعقل ألبتة ، ولا دليل له سمعياً فلا يجزم به عاقل . والأيام المعدودة قالوا : أربعون يوماً هي أيام عبادة العجل . وعن مجاهد قالوا : مدة الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما نعذب مكان كل ألف سنة يوماً لأن يوماً عند الله ألف سنة . وأيام معدودة ومعدودات كلاهما فصيح مثل الأيام مضت ومضين . والعهد ههنا يجري مجرى الوعد والخبر ، لأن خبره سبحانه كالعهود المؤكدة منا بالقسم والنذر . و{ أتخذتم } استفهام بطريق الإنكار ، وإنه يدل على عدم الدليل السمعي . { فلن يخلف الله عهده } لتنزهه سبحانه عن كل نقيصة وخُلاف الخبر أنقص النقائص . فإن قيل : هب أن الخلف في الوعد لؤم ونقيصة ، لكنه في الوعيد كرم ولطف . قلنا : الخلف من حيث هو كذب قبيح لا يجوّزه كامل ، ولعل للكرم طريقاً آخر سوى هذا فتأمل . و{ أم } إما معادلة بمعنى أي الأمرين كائن على سبيل التقدير لأن العلم واقع بكون أحدهما وهذا من الكامل المنصف نحو { وأنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين } [ سبأ : 8 ] ، ويجوز أن تكون منقطعة بمعنى " بل أتقولون " كأنه أعرض عن الاستفهام الأول واستأنف سؤالاً ثانياً . فالاستفهام الأول لتقرير النفي ، والاستفهام الثاني لتقرير الإثبات . وفي الآية تنبيه على أن القول بغير دليل باطل وأن كل ما جاز وجوده وعدمه عقلا لم يجز المصير إلى الإثبات أو إلى النفي إلا بدليل سمعي . ولا حجة لمنكري القياس وخبر الواحد فيه لأنه لما دل الدليل على وجوب العمل عند حصول الظن المستند إلى القياس أو إلى خبر الواحد ، كان وجوب العمل معلوماً فكان القول به قولاً بالمعلوم .