معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱرۡكَعُواْ وَٱسۡجُدُواْۤ وَٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمۡ وَٱفۡعَلُواْ ٱلۡخَيۡرَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ۩} (77)

قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا } أي : صلوا ، لأن الصلاة لا تكون إلا بالركوع والسجود ، { واعبدوا ربكم } وحدوه ، { وافعلوا الخير } قال ابن عباس : صلة الرحم ومكارم الأخلاق { لعلكم تفلحون } لكي تسعدوا وتفوزوا بالجنة . واختلف أهل العلم في سجود التلاوة عقيب قراءة هذه الآية : فذهب قوم إلى أنه يسجد عندها ، وهو قول عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وبه قال ابن المبارك ، و الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق . واحتجوا بما أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي ، أنبأنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي ، أنبأنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ، أنبأنا أبو عيسى الترمذي ، أنبأنا قتيبة ، أنبأنا ابن لهيعة ، عن مشرح بن هاعان ، عن عقبة بن عامر قال : قلت يا رسول الله " فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين . قال : نعم . ومن لم يسجدهما ، فلا يقرأهما " . وذهب قوم إلى أنه لا يسجد هاهنا ، وهو قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي . وعدة سجود القرآن أربعة عشر عند أكثر أهل العلم ، منها ثلاث في المفصل . وذهب قوم إلى أنه ليس في المفصل سجود . روي ذلك عن أبي بن كعب ، وابن عباس ، وبه قال مالك . وقد صح عن أبي هريرة قال : " سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم : في اقرأ وإذا السماء انشقت " وأبو هريرة من متأخري الإسلام . واختلفوا في سجود صاد ، فذهب الشافعي : إلى أنه سجود شكر ليس من عزائم السجود ، ويروى ذلك عن ابن عباس ، وذهب قوم إلى أنه يسجد فيها ، روي ذلك عن عمر ، وبه قال سفيان الثوري ، و ابن المبارك ، وأصحاب الرأي ، و أحمد ، و إسحاق ، فعند ابن المبارك ، و إسحاق ، و أحمد ، وجماعة : سجود القرآن خمس عشرة سجدة ، فعدوا سجدتي الحج وسجدة ص ، وروي عن عمرو بن العاص أن " النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدةً في القرآن " .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱرۡكَعُواْ وَٱسۡجُدُواْۤ وَٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمۡ وَٱفۡعَلُواْ ٱلۡخَيۡرَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ۩} (77)

{ 77 - 78 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ }

يأمر تعالى ، عباده المؤمنين بالصلاة ، وخص منها الركوع والسجود ، لفضلهما وركنيتهما ، وعبادته التي هي قرة العيون ، وسلوة القلب المحزون ، وأن ربوبيته وإحسانه على العباد ، يقتضي منهم أن يخلصوا له العبادة ، ويأمرهم بفعل الخير عموما .

وعلق تعالى الفلاح على هذه الأمور فقال : { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أي : تفوزون بالمطلوب المرغوب ، وتنجون من المكروه المرهوب ، فلا طريق للفلاح سوى الإخلاص في عبادة الخالق ، والسعي في نفع عبيده ، فمن وفق لذلك ، فله القدح المعلى ، من السعادة والنجاح والفلاح .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱرۡكَعُواْ وَٱسۡجُدُواْۤ وَٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمۡ وَٱفۡعَلُواْ ٱلۡخَيۡرَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ۩} (77)

58

والآن وقد كشف عما في منسك المشركين من سخف وضعف ؛ وعما في عبادتهم من قصور وجهل . . الآن يتوجه بالخطاب إلى الأمة المسلمة ، لتنهض بتكاليف دعوتها ، وتستقيم على نهجها العريق القويم :

( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا ، واعبدوا ربكم ، وافعلوا الخير لعلكم تفلحون . وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم ؛ وما جعل عليكم في الدين من حرج ، ملة أبيكم إبراهيم . هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم ، وتكونوا شهداء على الناس . فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ، واعتصموا بالله هو مولاكم ، فنعم المولى ونعم النصير ) . .

وفي هاتين الآيتين يجمع المنهاج الذي رسمه الله لهذه الأمة ، ويلخص تكاليفها التي ناطها بها ، ويقرر مكانها الذي قدره لها ، ويثبت جذورها في الماضي والحاضر والمستقبل ، متى استقامت على النهج الذي أراده لها الله .

إنه يبدأ بأمر الذين آمنوا بالركوع والسجود . وهما ركنا الصلاة البارزان . ويكني عن الصلاة بالركوع والسجود ليمنحها صورة بارزة ، وحركة ظاهرة في التعبير ، ترسمها مشهدا شاخصا ، وهيئة منظورة . لأن التعبير على هذا النحو أوقع أثرا وأقوى استجاشة للشعور .

ويثني بالأمر العام بالعبادة . وهي أشمل من الصلاة . فعبادة الله تشمل الفرائض كلها وتزيد عليها كذلك كل عمل وكل حركة وكل خالجة يتوجه بها الفرد إلى الله . فكل نشاط الإنسان في الحياة يمكن أن يتحول إلى عبادة متى توجه القلب به إلى الله . حتى لذائذه التي ينالها من طيبات الحياة بلفتة صغيرة تصبح عبادات تكتب له بها حسنات . وما عليه إلا أن يذكر الله الذي أنعم بها ، وينوي بها أن يتقوى على طاعته وعبادته فإذا هي عبادات وحسنات ، ولم يتحول في طبيعتها شيء ، ولكن تحول القصد منها والاتجاه !

ويختم بفعل الخير عامة ، في التعامل مع الناس بعد التعامل مع الله بالصلاة والعبادة . .

يأمر الأمة المسلمة بهذا رجاء أن تفلح . فهذه هي أسباب الفلاح . . العبادة تصلها بالله فتقوم حياتها على قاعدة ثابتة وطريق واصل . وفعل الخير يؤدي إلى استقامة الحياة ، الجماعية على قاعدة من الإيمان وأصالة الاتجاه .

فإذا استعدت الأمة المسلمة بهذه العدة من الصلة بالله واستقامة الحياة ، فاستقام ضميرها واستقامت حياتها نهضت بالتبعة الشاقة : ( وجاهدوا في الله حق جهاده )

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱرۡكَعُواْ وَٱسۡجُدُواْۤ وَٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمۡ وَٱفۡعَلُواْ ٱلۡخَيۡرَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ۩} (77)

اختلف الأئمة ، رحمهم الله ، في هذه السجدة الثانية من سورة الحج : هل هي مشروع السجودُ فيها أم لا ؟ على قولين . وقد قدمنا عند الأولى حديث عقبة بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فُضلت سورة الحج بسجدتين ، فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما " .