فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱرۡكَعُواْ وَٱسۡجُدُواْۤ وَٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمۡ وَٱفۡعَلُواْ ٱلۡخَيۡرَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ۩} (77)

صرح بالمقصود فقال :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا } أي صلوا التي شرعها الله لكم ، لأن الصلاة لا تكون إلا بالركوع والسجود ، وخص الصلاة لكونها أشراف العبادات ، ثم عمم فقال : { وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ } أي افعلوا جميع أنواع العبادة التي أمركم الله بها ، وقيل وحدوه { وَافْعَلُوا الْخَيْرَ } أي ما هو خير وهو أعم من الطاعة الواجبة والمندوبة وقيل المراد بالخير هنا المندوبات ثم علل ذلك بقوله :

{ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أي إذا فعلتم هذه كلها رجوتم الفلاح ، وفي هذا إشارة إلى أن دخول الجنة ليس مرتبا على هذه الأعمال مثلا ، بل هذه الأمور كلفنا الله بها شرعا ، وأما قبولها فشيء آخر يتفضل الله به علينا ، وهذه الآية من مواطن سجود التلاوة عند الشافعي ومن وافقه ، لا عند أبي حنيفة ومن قال بقوله ، وقد تقدم أن هذه السورة فضلت بسجدتين وهذا دليل على ثبوت السجود عند تلاوة هذه الآية .

وقد اختلف في عدد سجود التلاوة فذهب أكثر أهل العلم إلى أنها أربع عشرة سجدة ، لكن الشافعي رحمه الله تعالى قال : في الحج سجدتان ، وأسقط سجدة ص ، وقال أبو حنيفة : في الحج سجدة ، وأثبت سجدة ص ، وقيل خمس عشرة سجدة ، وقال قوم :ليس في المفصل سجدة ، فعلى هذا تكون إحدى عشرة سجدة ،

وسجود التلاوة سنة عند الشافعي ، وواجب عند أبي حنيفة ، ودلائل الأقوال مبسوطة في مواطنها ،