قوله تعالى : { يا أيها الذين آمَنُواْ اركعوا واسجدوا } إلى آخر السورة . لما ذكر الإلهيات{[31978]} ثم النبوات أتبعه بالكلام في الشرائع ، وهو من أربعة أوجه :
والثالث : ذكر ما يوجب تلك الأوامر .
فأما تعيين المأمور به فهو قوله : { يا أيها الذين آمَنُواْ } وهذا خطاب للمؤمنين ؛ لأنه صرح{[31979]} بهم ، ولقوله : «هُوَ اجْتَبَاكُمْ » ، ولقوله : { هُوَ سَمَّاكُمُ المسلمين } ، وقوله { وَتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى الناس } . وقيل : خطاب لكل المكلفين مؤمناً كان أو كافراً ؛ لأن التكليف بهذه الإشارة عامّ في كل المكلفين فلا معنى لتخصيص المؤمن بذلك . وأما فائدة التخصيص ، فلأنه لما لم يقبله إلا المؤمنون خصهم بالذكر ليحرضهم على المواظبة على ما قبلوه ، وكالتشريف لهم في ذلك الإفراد . وأما المأمور به{[31980]} فأربعة أمور :
الأول : الصلاة وهو المراد بقوله : «ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا » وذلك لأن أشرف أركان الصلاة هو الركوع والسجود ، والصلاة هي المختصة بهذين الركنين ، فجرى ذكرهما مجرى ذكر الصلاة ، وذكر ابن عباس : أن الناس كانوا في أول إسلامهم يركعون ولا يسجدون حتى نزلت هذه الآية .
والثاني : قوله : «وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ » قيل : وحدوه . وقيل : اعبدوا ربكم في سائر المأمورات والمنهيات . وقيل : افعلوا الركوع والسجود وسائر الطاعات بنية العبادة .
الثالث : قوله : «وَافْعَلُوا الخَيْرَ » قال ابن عباس : هو صلة الرحم ومكارم الأخلاق «لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ » لكي تفوزوا بالجنة . وقيل : كلمة «لَعَلَّ » للترجي{[31981]} ، فإن الإنسان قلما يخلو في أداء الفريضة{[31982]} من تقصير ، فليس هو على يقين من أن الذي أتى به هل هو مقبول عند الله والعواقب مستورة «وكلٌّ ميسَّرٌ لما خُلِقَ له »{[31983]} .
اختلفوا في سجود التلاوة{[31984]} عند قراءة هذه الآية ، فذهب عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود وابن عباس : إلى أنه يسجد ، وبه قال ابن المبارك{[31985]} والشافعي وأحمد وإسحاق لما روى عقبة بن عامر{[31986]} قال : «قلت : يا رسول الله فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين قال : «نعم ، من لم يسجدهما فلا يقرأهما »{[31987]} وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي : لا يسجد هاهنا . وعدد سجود القرآن أربع عشرة سجدة عند أكثر أهل العلم منها ثلاث في المفصل ، وروي عن أبيّ بن كعب وابن عباس : ليس{[31988]} في المفصل سجود ، وبه قال مالك .
وقد صح عن أبي هريرة قال : سجدنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في «اقْرَأ »{[31989]} و { إِذَا السماء انشقت }{[31990]} [ الانشقاق : 1 ] . وأبو هريرة متأخر الإسلام . واختلفوا في سجدة ص{[31991]} فروي عن ابن عباس أنها سجدة شكر وهو مذهب الشافعي وعن عمر أنه يسجد فيها ، وهو قول الثوري وابن المبارك وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق{[31992]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.