{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ { 77 } }
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا } أي صلّوا . وعبر عن الصلاة بهما ، لأنهما أعظم أركانها . أو اخضعوا له تعالى ، وخروا له سجدا ، لا لغيره { وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ } أي تحرّوه . كصلة الأرحام ومواساة الأيتام والحض على الإطعام والاتصاف بمكارم الأخلاق { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أي لكي تسعدوا وتفوزوا بالجنة .
الأول لم يختلف العلماء في السجدة الأولى من هذه السورة . واختلفوا في السجدة الثانية – هذه – فروي عن عمر وعلي وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وأبي الدرداء وأبي موسى ؛ أنهم قالوا : في الحج سجدتان وبه قال ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق ، يدل عليه ما روي [ أخرجه أبو داود في : 7- كتاب سجود القرآن ، 1- باب تفريع أبواب السجود ، وكم سجدة في القرآن ، حديث رقم 1402
وأخرجه الترمذي في : 4 كتاب الجمعة ، 54- باب ما جاء في السجدة في الحج ] عن عقبة بن عامر قال : قلت يا رسول الله أفي الحج سجدتان ؟ قال : نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما » . أخرجه الترمذي وأبو داود . وعن عمر بن الخطاب [ أخرجه في الموطأ في : 15- باب الأمر بالوضوء لمن مسّ القرآن ، حديث رقم 13 ( طبعتنا ) ] : «أنه قرأ سورة الحج فسجد فيها سجدتين وقال : إن هذه السورة فضلت بسجدتين » . أخرجه مالك في ( الموطأ ) وذهب قوم إلى أن في الحج سجدة واحدة ، وهي الأولى ، وليست هذه بسجدة وهو قول الحسن وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وسفيان الثوري وأبي حنيفة ومالك . بدليل أن قرن السجود بالركوع . فدل ذلك أنها سجدة صلاة ، لا سجدة تلاوة- كذا في ( لباب التأويل ) أي لأن المعهود في مثله من كل آية ، قرن الأمر بالسجود فيها بالركوع ، كونه أمرا بما هو ركن للصلاة ، بالاستقراء نحو [ أل عمران 43 ] { واسجدي واركعي } وإذا جاء الاحتمال سقط الاستدلال .
وما روي من الحديث المذكور ، قال الترمذي رحمه الله : إسناده ليس بالقوي . وكذا قال غيره . كما في ( شرح الهداية ) لابن الهمام .
قال الخفاجي : لكن يرد عليه ما في ( الكشف ) أن الحق أن السجود حيث ثبت ، ليس من مقتضى خصوص في تلك الآية لأن دلالة الآية غير مقيدة بحال التلاوة البتة . بل إنما ذلك بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قوله ، فلا مانع من كون الآية دالة على فرضية سجود الصلاة . ومع ذلك يشرع السجود عند تلاوتها ، لما ثبت من الرواية فيه . اه .
الثاني – قال في ( اللباب ) اختلف العلماء في عدة سجود التلاوة . فذهب الشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم إلى أنها أربع عشرة سجدة . لكن الشافعي قال : في الحج سجدتان . وأسقط سجدة ( ص ) . وقال أبو حنيفة : في الحج سجدة . وأثبت سجدة ( ص ) . وبه قال أحمد ، في إحدى الروايتين عنه . فعنده أن السجدات خمس عشرة سجدة ، وذهب قوم إلى أن المفصل ليس فيه سجود . يروى ذلك عن أبي بن كعب وابن عباس . وبه قال مالك : فعلى هذا يكون سجود القرآن إحدى عشرة سجدة . يدل عليه ما روي عن أبي الدرداء [ أخرجه الترمذي ( لا أبو داود ) في : 4 كتاب الجمعة ، 47 – باب ما جاء في سجود القرآن ] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «في القرآن إحدى عشر سجدة » . أخرجه أبو داود وقال : إسناده واه . ودليل من قال ( في القرآن خمس عشرة سجدة ) ما روي عن عمرو بن العاص قال : «أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن خمس عشرة سجدة . منها ثلاث في المفصل . وفي سورة الحج سجدتان » . أخرجه أبو داود [ أخرجه في : 7- كتاب السجود ، 1- باب تفريع أبواب السجود ، وكم سجدة في القرآن ، حديث رقم 1401 ] . وصح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : «سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في { اقرأ } و { إذا السماء انشقت } » أخرجه مسلم [ اخرجه الترمذي ( لا مسلم ) في : 4- كتاب الجمعة ، 50- باب ما جاء في السجدة في { اقرأ باسم ربك الذي خلق } و{ إذا السماء انشقت } ] . انتهى .
والخمس عشرة : في الأعراف ، والرعد ، والنحل ، والإسراء ، ومريم ، والحج ، والفرقان ، والنمل ، وآلم تنزيل ، وص ، وحم السجدة ، والنجم ، والانشقاق ، واقرأ .
والمفصل من سورة الحجرات إلى آخر القرآن ، في أصح الأقوال . سمي مفصلا لكثرة الفصل بين سوره .
الثالث- سجود التلاوة سنة للقارئ والمستمع . وبه قال مالك والشافعي وأحمد . لقول ابن عمر : «كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة فيها السجدة ، فيسجد ونسجد معه ، حتى ما يجد أحدنا موضعا لجبهته » . رواه الشيخان [ أخرجه البخاري في : 17- كتاب سجود القرآن ، 8- باب سجد لسجود القارئ ، حديث رقم 592 . وأخرجه مسلم في : 5- كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، حديث رقم 103 ( طبعتنا ) ] .
وقال عمر [ أخرجه البخاري في : 17- كتاب سجود القرآن ، 10- باب من رأى أن الله عز وجل لم يوجب السجود ، حديث رقم 593 ونصه : «يا أيها الناس إنا نمرّ بالسجود ، فمن سجد فقد أصاب . ومن لم يسجد فلا إثم عليه » . ] : «إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء » . رواه البخاري .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.