تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱرۡكَعُواْ وَٱسۡجُدُواْۤ وَٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمۡ وَٱفۡعَلُواْ ٱلۡخَيۡرَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ۩} (77)

الآية 77 : وقوله تعالى : { يأيها الذين ءامنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير }في الآية دلالة أن الإيمان ، هو شيء خاص ، وشيء واحد ، لا اسم جميع الخيرات ، وهو التصديق ، لأنه أثبت لهم اسم الإيمان ، ثم أمرهم بالركوع والسجود وفعل الخيرات ، لأن جميع المخاطبين بهذه الآية عرفوا من خوطب بها . فلو كان اسما لجميع الخيرات لكان لا يعرف المخاطب بها ، لأنه لا يقدر واحد على جميع الخيرات . فدل أنه شيء معروف خاص مما يرجع صاحبه إلى حد المعرفة حين{[13252]} عرف المخاطب به ، والله أعلم .

ثم يحتمل قوله : { اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير }وجوها : أحدها : أن اجعلوا ركوعكم وسجودكم وعبادتكم عبادة لله ، لا تشركوا فيها غيره على ما أشرك أهل مكة وغيرهم من الكفار في عبادتهم غيره ، وهي الأصنام التي عبدوها .

والثاني : اعبدوا ربكم بالأسباب والأشياء التي عرفكم أنها عبادة ، وكذلك افعلوا الخيرات التي عرفكم أنها خيرات .

والثالث : أن اجعلوا أحوالكم التي أنتم عليها من قيام وقعود وحركة وسكون عبادة لله ، واجعلوا تقلبكم أيضا للمعاش الذي أبيح لكم ، وأذن فيه ، عبادة لله تعالى .

فالأول : هو عبادة بنفسه التي جعلها الله نصا . والثاني : هو الذي يصيره عباده بالنية والقصد . فيكون في جميع أحواله مؤدي عبادة .

وهكذا الواجب على المرء أن يكون في جميع ما يؤدي من النوافل من الصلاة والصيام وغيره مؤذي فرض ؛ وهو أن يؤذي جميع ذلك بنية الشكر لنعمه وتكفيرا لمعاصيه . وكلاهما لازمان واجبان . فإن فعل ذلك كان مؤذي لازم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { لعلكم تفلحون } ظاهره خرج على الترجي ، وفي الحقيقة على الوجوب على ما ذكرنا في ما تقدم .


[13252]:في الأصل وم: حيث.