قوله تعالى : { قد جاءكم بصائر من ربكم } ، يعني الحجج البينة التي تبصرون بها الهدى من الضلالة ، والحق من الباطل .
قوله تعالى : { فمن أبصر } ، أي : فمن عرفها وآمن بها .
قوله تعالى : { فلنفسه } عمله ، ونفعه له .
قوله تعالى : { ومن عمي فعليها } ، أي : من عمي عنها فلم يعرفها ، ولم يصدقها ، فعليها ، أي : بنفسه ضر ، ووبال العمى عليه .
قوله تعالى : { وما أنا عليكم بحفيظ } ، برقيب أحصي عليكم أعمالكم ، إنما أنا رسول أبلغكم رسالات ربي وهو الحفيظ عليكم ، الذي لا يخفى عليه شيء من أفعالكم .
{ قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } لما بين تعالى من الآيات البينات ، والأدلة الواضحات ، الدالة على الحق في جميع المطالب والمقاصد ، نبه العباد عليها ، وأخبر أن هدايتهم وضدها لأنفسهم ، فقال : { قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ } أي : آيات تبين الحق ، وتجعله للقلب بمنزلة الشمس للأبصار ، لما اشتملت عليه من فصاحة اللفظ ، وبيانه ، ووضوحه ، ومطابقته للمعاني الجليلة ، والحقائق الجميلة ، لأنها صادرة من الرب ، الذي ربى خلقه ، بصنوف نعمه الظاهرة والباطنة ، التي من أفضلها وأجلها ، تبيين الآيات ، وتوضيح المشكلات .
{ فَمَنْ أَبْصَرَ } بتلك الآيات ، مواقع العبرة ، وعمل بمقتضاها { فَلِنَفْسِهِ } فإن الله هو الغني الحميد .
{ وَمَنْ عَمِيَ } بأن بُصِّر فلم يتبصر ، وزُجِر فلم ينزجر ، وبين له الحق ، فما انقاد له ولا تواضع ، فإنما عماه مضرته عليه .
{ وَمَا أَنَا } أي الرسول { عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } أحفظ أعمالكم وأرقبها على الدوام إنما عليَّ البلاغ المبين وقد أديته ، وبلغت ما أنزل الله إليَّ ، فهذه وظيفتي ، وما عدا ذلك فلست موظفا فيه{[300]} .
يعقب السياق على هذا الوصف الذي لا تملك لغة البشر أن تشرحه أو تصفه . . بقوله : ( قد جاءكم بصائر من ربكم ، فمن أبصر فلنفسه ، ومن عمي فعليها ، وما أنا عليكم بحفيظ )
فهذا الذي جاء من عند الله . . بصائر . . والبصائر تهتدي وتهدي . . وهذا بذاته . . بصائر . . تهدي .
فمن أبصر فلنفسه فإنما يجد الهدى والنور . وليس وراء ذلك إلا العمى . فما يبقى على الضلال بعد هذه الآيات والبصائر إلا أعمى . . معطل الحواس . مغلق المشاعر . مطموس الضمير . .
ويوجه النبي [ ص ] أن يعلن براءته من أمرهم ومغبته : ( وما أنا عليكم بحفيظ ) . .
ولا يفوتنا أن نلمح التناسق في الجو والظلال والعبارة بين قوله في الآية السابقة : في صفة الله سبحانه : ( لا تدركه الأبصار ، وهو يدرك الأبصار ، وهو اللطيف الخبير ) . . وبين قوله في الآية اللاحقة : ( قد جاءكم بصائر من ربكم ، فمن أبصر فلنفسه ، ومن عمي فعليها ) . . واستخدام الأبصار والبصائر ، والبصر والعمى ، في السياق المتناسق المتناغم . .
البصائر : هي البينات والحجج التي اشتمل عليها القرآن ، وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم { فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ } مثل قوله : { مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } [ الإسراء : 15 ] ؛ ولهذا قال : { وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا } لما ذكر البصائر قال :
{ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا } أي : فإنما يعود وبال ذلك عليه ، كقوله : { فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } [ الحج : 46 ] .
{ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } أي : بحافظ ولا رقيب ، بل أنا مبلغ والله يهدي من يشاء ويضل من يشاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.