فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَدۡ جَآءَكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَنۡ أَبۡصَرَ فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ عَمِيَ فَعَلَيۡهَاۚ وَمَآ أَنَا۠ عَلَيۡكُم بِحَفِيظٖ} (104)

{ قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ 104 وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون 105 اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين 106 } .

{ قد جاءكم بصائر من ربكم } البصائر جمع بصيرة وهي في الأصل نور القلب الذي تبصر به النفس أي الروح كما أن البصر هو النور الذي تبصر به العين ، والمراد بها هنا الحجة البينة والبرهان الواضح ، وإطلاق البصائر عليها مجاز من إطلاق إسم المسبب على السبب ، وهذا الكلام استئناف وارد على لسان رسول الله قد جاءكم بصائر من ربكم ، ولهذا قال في آخره : ( وما أنا عليكم بحفيظ ) ، ووصف البصائر بالمجيء تفخيما لشأنها وجعلها بمنزلة الغائب المتوقع مجيئه كما يقال جاءت العافية وانصرف المرض وأقبلت السعود وأدبرت النحوس .

{ فمن أبصر فلنفسه } أي فمن تعقل الحجة وعرفها وأذعن لها فنفع ذلك لنفسه ، لأنه ينجو بهذا الإبصار من عذاب النار { ومن عمي } عن الحجة ولم يتعقلها ولا أذعن لها { فعليها } أي فضرر ذلك على نفسه ، لأنه يتعرض لغضب الله في الدنيا ويكون مصيره إلى النار ، قال قتادة : فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فعليها .

{ وما أنا عليكم بحفيظ } أحصي عليكم أعمالكم ، وإنما أنا رسول أبلغكم رسالات ربي وهو الحفيظ عليكم ، قال الزجاج : نزل هذا قبل فرض القتال ثم أمر أن يمنعهم بالسيف من عبادة الأوثان .