الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{قَدۡ جَآءَكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمۡۖ فَمَنۡ أَبۡصَرَ فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ عَمِيَ فَعَلَيۡهَاۚ وَمَآ أَنَا۠ عَلَيۡكُم بِحَفِيظٖ} (104)

قوله تعالى : " قد جاءكم بصائر من ربكم " أي آيات وبراهين يبصر بها ويستدل ، جمع بصيرة وهي الدلالة . قال الشاعر :

جاؤوا بصائرهم على أكتافهم *** وبصيرتي يَعْدُو بها عَتَدٌ وآي{[6627]}

يعني بالبصيرة الحجة البينة الظاهرة . ووصف الدلالة بالمجيء لتفخيم شأنها ؛ إذ كانت بمنزلة الغائب المتوقع حضوره للنفس ، كما يقال : جاءت العافية وقد انصرف المرض ، وأقبل السعود وأدبر النحوس . " فمن أبصر فلنفسه " الإبصار : هو الإدراك بحاسة البصر ، أي فمن استدل وتعرف فنفسه نفع . " ومن عمي فعليها " لم يستدل ، فصار بمنزلة الأعمى ، فعلى نفسه يعود ضرر عماه . " وما أنا عليكم بحفيظ " أي لم أومر بحفظكم على أن تهلكوا أنفسكم . وقيل : أي لا أحفظكم من عذاب الله . وقيل : " بحفيظ " برقيب ، أحصي عليكم أعمالكم ، إنما أنا رسول أبلغكم رسالات ربي ، وهو الحفيظ عليكم لا يخفى عليه شيء من أفعالكم . قال الزجاج : نزل هذا قبل فرض القتال ، ثم أمر أن يمنعهم بالسيف من عبادة الأوثان .


[6627]:الذي في كتب اللغة: "راحوا... الخ" وأن هذا البيت للأسعر الجعفي. يقول: إنهم تركوا دم أبيهم وجعلوه خلفهم، أي لم يثأروا به وأنا طلبت ثأري. والعتد (بفتح التاء وكسرها): الفرس التام الخلق السريع الوثبة معد للجري ليس فيه اضطراب ولا رخاوة. والوآى (بفتح الواو والمد): الفرس السريع المقتدر الخلق.