قوله تعالى : { فويل } . قال الزجاج : ويل كلمة تقولها العرب لكل واقع في هلكة ، وقيل : هو دعاء الكفار على أنفسهم بالويل والثبور ، وقال ابن عباس : شدة العذاب ، وقال سعيد بن المسيب : ويل واد في جهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لانماعت من شدة حرها .
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أنا أبو طاهر محمد بن أحمد ابن الحارث أنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن المبارك ، عن رشيد بن سعد ، عن عمرو بن الحارث ، أنه حدث عن أبي السمع ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يبلغ قعره ، والصعود جبل من نار يتصعد فيه سبعين خريفاً ثم يهوي فهو كذلك " .
قوله تعالى : { للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً } . وذلك أن أحبار اليهود خافوا ذهاب مآكلهم وزوال رياستهم حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، فاحتالوا في تعويق اليهود عن الإيمان به فعمدوا إلى صفته في التوراة ، وكانت صفته فيها : حسن الوجه ، حسن الشعر ، أكحل العينين ، ربعة القامة ، فغيروها وكتبوا مكانها طوال أزرق سبط الشعر ، فإذا سألهم سفلتهم عن صفته قرؤوا ما كتبوه فيجدونه مخالفاً لصفته فيكذبونه .
قوله تعالى : { فويل لهم مما كتبت أيديهم } . يعني كتبوه بأنفسهم اختراعاً من تغيير نعته صلى الله عليه وسلم .
قوله تعالى : { وويل لهم مما يكسبون } . من المآكل ويقال : من المعاصي .
{ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ }
توعد تعالى المحرفين للكتاب ، الذين يقولون لتحريفهم وما يكتبون : { هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ } وهذا فيه إظهار الباطل وكتم الحق ، وإنما فعلوا ذلك مع علمهم { لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا } والدنيا كلها من أولها إلى آخرها ثمن قليل ، فجعلوا باطلهم شركا يصطادون به ما في أيدي الناس ، فظلموهم من وجهين : من جهة تلبيس دينهم عليهم ، ومن جهة أخذ أموالهم بغير حق ، بل بأبطل الباطل ، وذلك أعظم ممن يأخذها غصبا وسرقة ونحوهما ، ولهذا توعدهم بهذين الأمرين فقال : { فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ } أي : من التحريف والباطل { وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } من الأموال ، والويل : شدة العذاب والحسرة ، وفي ضمنها الوعيد الشديد .
قال شيخ الإسلام لما ذكر هذه الآيات من قوله : { أَفَتَطْمَعُونَ } إلى { يَكْسِبُونَ } فإن الله ذم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ، وهو متناول لمن حمل الكتاب والسنة ، على ما أصله من البدع الباطلة .
وذم الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني ، وهو متناول لمن ترك تدبر القرآن ولم يعلم إلا مجرد تلاوة حروفه ، ومتناول لمن كتب كتابا بيده مخالفا لكتاب الله ، لينال به دنيا وقال : إنه من عند الله ، مثل أن يقول : هذا هو الشرع والدين ، وهذا معنى الكتاب والسنة ، وهذا معقول السلف والأئمة ، وهذا هو أصول الدين ، الذي يجب اعتقاده على الأعيان والكفاية ، ومتناول لمن كتم ما عنده من الكتاب والسنة ، لئلا يحتج به مخالفه في الحق الذي يقوله .
وهذه الأمور كثيرة جدا في أهل الأهواء جملة ، كالرافضة ، وتفصيلا مثل كثير من المنتسبين إلى الفقهاء .
( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ )
فكيف ينتظر من أمثال هؤلاء وهؤلاء أن يستجيبوا للحق ، وأن يستقيموا على الهدى ، وأن يتحرجوا من تحريف ما يقف في طريقهم من نصوص كتابهم نفسه ؟ إن هؤلاء لا مطمع في أن يؤمنوا للمسلمين . وإنما هو الويل والهلاك ينتظرهم . الويل والهلاك لهم مما كتبت أيديهم من تزوير على الله ؛ والويل والهلاك لهم مما يكسبون بهذا التزوير والاختلاق !
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.