معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{خُذۡ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡ صَدَقَةٗ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيۡهِمۡۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٞ لَّهُمۡۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (103)

قوله تعالى : { خذ من أموالهم صدقةً تطهرهم } ، بها من ذنوبهم ، { وتزكيهم بها } ، أي : ترفعهم من منازل المنافقين إلى منازل المخلصين . وقيل : تنمي أموالهم { وصل عليهم } ، أي : ادع لهم واستغفر لهم . وقيل : هو قول الساعي للمصدق إذا أخذ الصدقة منه : آجرك الله فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت . والصلاة في اللغة : الدعاء .

قوله تعالى : { إن صلاتك } قرأ حمزة والكسائي : " صلاتك " على التوحيد ونصب التاء هاهنا ، وفي سورة هود " أصلاتك " وفي سورة المؤمنين " على صلاتهم " كلهن على التوحيد ، وافقهما حفص هاهنا وفي سورة هود . وقرأ الآخرون بالجمع فيهن ويكسرون التاء هاهنا وفي سورة المؤمنين ، ولا خلاف في التي في الأنعام { وهم على صلاتهم يحافظون } ولا التي في المعارج { وهم على صلاتهم يحافظون } أنها جميعا على التوحيد .

قوله تعالى : { سكن لهم } ، أي : إن دعاءك رحمة لهم . قاله ابن عباس . وقيل : طمأنينة لهم ، وسكون لهم ، أن الله عز وجل قد قبل منهم . وقال أبو عبيدة : تثبيت لقلوبهم . قوله تعالى : { والله سميع عليم } . واختلفوا في وجوب الدعاء على الإمام عند أخذ الصدقة : قال بعضهم : يجب . وقال بعضهم : يستحب . وقال بعضهم : يجب في صدقة الفرض ويستحب في صدقة التطوع . وقيل يجب على الإمام ويستحب للفقير أن يدعو للمعطي .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا آدم بن أبي إياس ، ثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال : سمعت عبد الله ابن أبي أوفى -وكان من أصحاب الشجرة- قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قومه بصدقة قال :اللهم صل عليهم ، فأتاه أبي بصدقته فقال : اللهم صل على آل أبي أوفى " . وقال ابن كيسان : ليس هذا في صدقة الفرض إنما هو في صدقة كفارة اليمين . وقال عكرمة : هي صدقة الفرض ، فلما نزلت توبة هؤلاء قال الذين لم يتوبوا من المتخلفين : هؤلاء كانوا معنا بالأمس لا يكالمون ولا يجالسون ، فما لهم ؟ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم رجع إلى المدينة نهى المؤمنين عن مكالمة المنافقين ومجالستهم .

قوله تعالى : { ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات } . أي يقبلها .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{خُذۡ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡ صَدَقَةٗ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيۡهِمۡۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٞ لَّهُمۡۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (103)

قال تعالى لرسوله ومن قام مقامه ، آمرا له بما يطهر المؤمنين ، ويتمم إيمانهم : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً } وهي الزكاة المفروضة ، { تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } أي : تطهرهم من الذنوب والأخلاق الرذيلة .

{ وَتُزَكِّيهِمْ } أي : تنميهم ، وتزيد في أخلاقهم الحسنة ، وأعمالهم الصالحة ، وتزيد في ثوابهم الدنيوي والأخروي ، وتنمي أموالهم .

{ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ } أي : ادع لهم ، أي : للمؤمنين عموما وخصوصا عندما يدفعون إليك زكاة أموالهم .

{ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ } أي : طمأنينة لقلوبهم ، واستبشار لهم ، { وَاللَّهُ سَمِيعٌ } لدعائك ، سمع إجابة وقبول .

{ عَلِيمٌ } بأحوال العباد ونياتهم ، فيجازي كل عامل بعمله ، وعلى قدر نيته ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمتثل لأمر اللّه ، ويأمرهم بالصدقة ، ويبعث عماله لجبايتها ، فإذا أتاه أحد بصدقته دعا له وبرَّك .

ففي هذه الآية ، دلالة على وجوب الزكاة ، في جميع الأموال ، وهذا إذا كانت للتجارة ظاهرة ، فإنها أموال تنمى ويكتسب بها ، فمن العدل أن يواسى منها الفقراء ، بأداء ما أوجب اللّه فيها من الزكاة .

وما عدا أموال التجارة ، فإن كان المال ينمى ، كالحبوب ، والثمار ، والماشية المتخذة للنماء والدر والنسل ، فإنها تجب فيها الزكاة ، وإلا لم تجب فيها ، لأنها إذا كانت للقنية ، لم تكن بمنزلة الأموال التي يتخذها الإنسان في العادة ، مالا يتمول ، ويطلب منه المقاصد المالية ، وإنما صرف عن المالية بالقنية ونحوها .

وفيها : أن العبد لا يمكنه أن يتطهر ويتزكى حتى يخرج زكاة ماله ، وأنه لا يكفرها شيء سوى أدائها ، لأن الزكاة والتطهير متوقف على إخراجها .

وفيها : استحباب الدعاء من الإمام أو نائبه لمن أدى زكاته بالبركة ، وأن ذلك ينبغي ، أن يكون جهرا ، بحيث يسمعه المتصدق فيسكن إليه .

ويؤخذ من المعنى ، أنه ينبغي إدخال السرور على المؤمن بالكلام اللين ، والدعاء له ، ونحو ذلك مما يكون فيه طمأنينة ، وسكون لقلبه . وأنه ينبغي تنشيط من أنفق نفقة وعمل عملا صالحا بالدعاء له والثناء ، ونحو ذلك .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{خُذۡ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡ صَدَقَةٗ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيۡهِمۡۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٞ لَّهُمۡۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (103)

97

ثم قال اللّه لنبيه - [ ص ] - :

( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ، وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ، واللّه سميع عليم ) . .

ولقد كانت تلك الحساسية التي بعثت الندم والتوبة في تلك القلوب ، جديرة بالطمأنينة ، حقيقة بالعطف الذي يسكب فيها الأمل ، ويفتح لها أبواب الرجاء . . وإن كان رسول اللّه - [ ص ] - وهو يقود حركة ، ويربي أمة ، وينشئ نظاماً ، قد رأى الأخذ بالحزم في أمرهم حتى يأتيه أمر من ربه في شأنهم . . قال ابن جرير : حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس قال : لما أطلق رسول اللّه - [ ص ] - أبا لبابة وصاحبيه ، انطلق أبو لبابة وصاحباه بأموالهم ، فأتوا بها رسول اللّه - [ ص ] - فقالوا : خذ من أموالنا فتصدق بها عنا وصل علينا . . يقولون : استغفر لنا . . وطهرنا . فقال رسول اللّه - [ ص ] - لا آخذ منها شيئاً حتى أومر . فأنزل اللّه : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ، وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ) . يقول : استغفر لهم من ذنوبهم التي كانوا أصابوا . فلما نزلت الآية أخذ رسول اللّه - [ ص ] - جزءا من أموالهم ، فتصدق به عنهم " .

وهكذا من اللّه عليهم لما علمه سبحانه من حسن سريرتهم ، وصدق توبتهم ، فأمر رسوله - [ ص ] - أن يأخذ بعض أموالهم يتصدق بها عنهم ، وأن يصلي عليهم - أي يدعو لهم ، فالأصل في الصلاة الدعاء - ذلك أن أخذ الصدقة منهم يرد إليهم شعورهم بعضويتهم الكاملة في الجماعة المسلمة ، فهم يشاركون في واجباتها ، وينهضون بأعبائها ، وهم لم ينبذوا منها ولم ينبتوا عنها ؛ وفي تطوعهم بهذه الصدقات تطهير لهم وتزكية ، وفي دعاء الرسول - [ ص ] - لهم طمأنينة وسكن .

( واللّه سميع عليم ) . .

يسمع الدعاء ، ويعلم ما في القلوب . ويقضي بما يسمعه ويعلمه قضاء السميع العليم . وهو وحده الذي يقضي في شأن العباد ، فيقبل منهم توبتهم ويأخذ منهم صدقاتهم ، ورسول اللّه - [ ص ] - ينفذ ما يأمره به ربه ، ولا ينشئ شيئاً من هذا من عنده .