قوله تعالى : { قل } ، يا محمد لهؤلاء المشركين ، { لو كان معه آلهة كما يقولون } ، قرأ حفص و ابن كثير يقولون بالياء وقرأ الآخرون بالتاء ، { إذاً لابتغوا } ، لطلبوا يعني الآلهة { إلى ذي العرش سبيلاً } ، بالمبالغة والقهر ليزيلوا ملكه ، كفعل ملوك الدنيا بعضهم ببعض . وقيل : معناه لطلبوا إلى ذي العرش سبيلاً بالتقرب إليه . قال قتادة : ليعرفوا الله وفضله وابتغوا ما يقربهم إليه . والأول أصح .
ومن الأدلة على ذلك هذا الدليل العقلي الذي ذكره هنا فقال : { قُلْ } للمشركين الذين يجعلون مع الله إلها آخر : { لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ } أي : على موجب زعمهم وافترائهم { إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا } أي : لاتخذوا سبيلا إلى الله بعبادته والإنابة إليه والتقرب وابتغاء الوسيلة ، فكيف يجعل العبد الفقير الذي يرى شدة افتقاره لعبودية ربه إلها مع الله ؟ ! هل هذا إلا من أظلم الظلم وأسفه السفه ؟ " .
فعلى هذا المعنى تكون هذه الآية كقوله تعالى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ }
وكقوله تعالى : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ }
ويحتمل أن المعنى في قوله : { قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا } أي : لطلبوا السبيل وسعوا في مغالبة الله تعالى ، فإما أن يعلوا عليه فيكون من علا وقهر هو الرب الإله ، فأما وقد علموا أنهم يقرون أن آلهتهم التي يعبدون{[473]} من دون الله مقهورة مغلوبة ليس لها من الأمر شيء فلم اتخذوها وهي بهذه الحال ؟ فيكون هذا كقوله تعالى : { مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ }
القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ لّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاّبْتَغَوْاْ إِلَىَ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين جعلوا مع الله إلها آخر : لو كان الأمر كما تقولون : من أن معه آلهة ، وليس ذلك كما تقولون ، إذن لابتغت تلك الاَلهة القُربة من الله ذي العرش العظيم ، والتمست الزّلْفة إليه ، والمرتبة منه . كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كمَا يَقُولُونَ إذًا لابْتَغَوْا إلى ذِي العَرْشِ سَبِيلاً يقول : لو كان معه آلهة إذن لعرفوا فضله ومرتبته ومنزلته عليهم ، فابتغوا ما يقرّبهم إليه .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة إذًا لابْتَغَوْا إلى ذِي العَرْشِ سَبِيلاً قال : لابتغَوا القُرب إليه ، مع أنه ليس كما يقولون .
وقوله تعالى : { قل لو كان معه آلهة } الآية إخبار بالحجة ، واختلف الناس في معنى قوله { لا تبتغوا إلى ذي العرش سبيلاً } فحكى الطبري وغيره من المفسرين أن معناه لطلب هؤلاء الآلهة الزلفى إلى ذي العرش والقربة إليه بطاعته ، فيكون السبيل على هذا التأويل بمعناها في قوله { فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً }{[7579]} ، وقال سعيد بن جبير وأبو علي الفارسي والنقاش وقاله المتكلمون أبو منصور وغيره ، إن معنى الكلام ، لابتغوا إليه سبيلاً في إفساد ملكه ومضاهاته في قدرته ، وعلى هذا التأويل تكون الآية بياناً للتمانع ، وجارية مع قوله { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا }{[7580]} .
قال القاضي أبو محمد : ونقتضب شيئاً من الدليل على أنه لا يجوز أن يكون مع الله تبارك وتعالى غيره ، وذلك على ما قال أبو المعالي وغيره . إنا لو فرضناه لفرضنا أن يريد أحدهما تسكين{[7581]} جسم والآخر تحريكه ، ومستحيل أن تنفذ الإرادتان ، ومستحيل أن لا تنفذ جميعاً ، فيكون الجسم لا متحركاً ولا ساكناً ، فإن صحت إرادة أحدهما دون الآخر فالذي لم تتم إرادته ليس بإله ، فإن قيل نفرضهما لا يختلفان ، قلنا اختلافهما جائز غير ممتنع عقلاً ، والجائز في حكم الواقع ، ودليل آخر ، إنه لو كان الاثنان لم يمتنع أن يكونوا ثلاثة ، وكذلك إلى ما لا نهاية ، ودليل آخر أن الجزء الذي لا يتجزأ من المخترعات لا تتعلق به إلا قدرة واحدة ، لا يصح فيها اشتراك ، والآخر كذلك دأباً ، فكل جزء إنما يخترعه واحد ، وهذه نبذة شرحها بحسب التقصي يطول ، وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم «كما يقولون » بالياء من تحت ، وقرأ الجمهور «كما تقولون » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.