معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞فَلَآ أُقۡسِمُ بِمَوَٰقِعِ ٱلنُّجُومِ} (75)

قوله عز وجل : { فلا أقسم بمواقع النجوم } قال أكثر المفسرين : معناه : أقسم ، و لا صلة ، وكان عيسى ابن عمر يقرأ : فلأقسم ، على التحقيق . وقيل : قوله لا : رد لما قاله الكفار في القرآن إنه سحر وشعر وكهانة ، معناه : ليس الأمر كما يقولون ، ثم استأنف القسم ، فقال :{ أقسم بمواقع النجوم } . قرأ حمزة والكسائي : بموقع على التوحيد . وقرأ الآخرون بمواقع على الجمع . قال ابن عباس : أراد نجوم القرآن ، فإنه كان ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم متفرقاً نجوماً . وقال جماعة من المفسرين : أراد مغارب النجوم ومساقطها . وقال عطاء بن أبي رباح : أراد منازلها . وقال الحسن : أراد انكدارها وانتثارها يوم القيامة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞فَلَآ أُقۡسِمُ بِمَوَٰقِعِ ٱلنُّجُومِ} (75)

{ 75-87 } { فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ * وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ * فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }

أقسم تعالى بالنجوم ومواقعها أي : مساقطها في مغاربها ، وما يحدث الله في تلك الأوقات ، من الحوادث الدالة على عظمته وكبريائه وتوحيده .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞فَلَآ أُقۡسِمُ بِمَوَٰقِعِ ٱلنُّجُومِ} (75)

وقوله : فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النّجُومِ اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِع النّجُومِ فقال بعضهم : عُنِي بقوله : فَلا أُقْسِمُ : أقسم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن جُرَيج ، عن الحسن بن مسلم ، عن سعيد بن جُبَير فَلا أُقْسِمُ قال : أقسم .

وقال بعض أهل العربية : معنى قوله : فَلا فليس الأمر كما تقولون ثم استأنف القسم بعد فقيل أُقسم .

وقوله : بِمَوَاقِعِ النّجُومِ اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معناه : فلا أقسم بمنازل القرآن ، وقالوا : أنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم نجوما متفرّقة . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حُصَين ، عن حكيم بن جُبَير ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، قال : نزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة ، ثم فرق في السنين بعد . قال : وتلا ابن عباس هذه الاَية فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النّجُومِ قال : نزل متفرّقا .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرِمة ، في قوله : فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النّجُومِ قال : أنزل الله القرآن نجوما ثلاث آيات وأربع آيات وخمس آيات .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، عن عكرِمة : إن القرآن نزل جميعا ، فوضع بمواقع النجوم ، فجعل جبريل يأتي بالسورة ، وإنما نزل جميعا في ليلة القدر .

حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي ، قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن الأعمش ، عن مجاهد فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النّجُومِ قال : هو مُحْكَم القرآن .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النّجُوم وَإنّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ قال : مستقرّ الكتاب أوّله وآخره .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : فلا أقسم بمساقط النجوم . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : بِمَواقِعِ النّجُومِ قال في السماء ويقال مطالعها ومساقطها .

حدثني بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النّجُومِ : أي مساقطها .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : بمنازل النجوم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النّجُومِ قال : بمنازل النجوم .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : بانتثار النجوم عند قيام الساعة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النّجومِ قال : قال الحسن انكدارها وانتثارها يوم القيامة .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : فلا أقسم بمساقط النجوم ومغايبها في السماء ، وذلك أن المواقع جمع موقع ، والموقع المفعل ، من وقع يقع موقعا ، فالأغلب من معانيه والأظهر من تأويله ما قلنا في ذلك ، ولذلك قلنا : هو أولى معانيه به .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الكوفة بموقع على التوحيد ، وقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين بمواقع : على الجماع .

والصواب من القول في ذلك ، أنهما قراءتان معروفتان بمعنى واحد ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞فَلَآ أُقۡسِمُ بِمَوَٰقِعِ ٱلنُّجُومِ} (75)

اختلف الناس في : «لا » ، من قوله : { فلا أقسم بمواقع النجوم } فقال بعض النحويين : هي زائدة والمعنى فأقسم ، وزيادتها في بعض المواضع معروف{[10927]} كقوله تعالى : { لئلا يعلم أهل الكتاب }{[10928]} [ الحديد : 29 ] وغير ذلك ، وقال سعيد بن جبير وبعض النحويين : هي نافية ، كأنه قال : { فلا } صحة لما يقوله الكفار ، ثم ابتدأ { أقسم بمواقع النجوم }{[10929]} . وقال بعض المتأولين هي مؤكدة تعطي في القسم مبالغة ما ، وهي كاستفتاح كلام مشبه في القسم ألا في شائع الكلام القسم وغيره ، ومن هذا قول الشاعر : [ الطويل ]

* فلا وأبي أعدائها لا أخونها * . . .

والمعنى : فوأبي أعدائها ، ولهذا نظائر .

وقرأ الحسن والثقفي : «فلأقسم » بغير ألف ، قال أبو الفتح ، التقدير : فلأنا أقسم{[10930]} .

وقرأ الجمهور من القراء «بمواقع » على الجمع ، وقرأ عمر بن الخطاب وابن عباس وابن مسعود وأهل الكوفة وحمزة والكسائي : «بموقع » على الإفراد ، وهو مراد به الجمع ، ونظير هذا كثير ، ومنه قوله تعالى : { إن أنكر الأصوات لصوت الحمير }{[10931]} [ لقمان : 19 ] جمع من حيث لكل حمار صوت مختص وأفرد من حيث الأصوات كلها نوع .

واختلف الناس في : { النجوم } هنا ، فقال ابن عباس وعكرمة ومجاهد وغيرهم : هي نجوم القرآن التي نزلت على محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك أنه روي أن القرآن نزل من عند الله في ليلة القدر إلى السماء الدنيا ، وقيل إلى البيت المعمور جملة واحدة ، ثم نزل بعد ذلك على محمد نجوماً مقطعة في مدة من عشرين سنة .

قال القاضي أبو محمد : ويؤيد هذا القول عود الضمير على القرآن في قوله : { إنه لقرآن كريم } ، وذلك أن ذكره لم يتقدم إلا على هذا التأويل ، ومن لا يتأول بهذا التأويل يقول : إن الضمير يعود على القرآن وإن لم يتقدم ذكر لشهرة الأمر ووضوح المعنى كقوله تعالى : { حتى توارت بالحجاب }{[10932]} [ ص : 32 ] ، و { كل من عليها فان }{[10933]} [ الرحمن : 26 ] وغير ذلك . وقال جمهور كثير من المفسرين : { النجوم } هنا : الكواكب المعروفة . واختلف في موقعها ، فقال مجاهد وأبو عبيدة هي : مواقعها عند غروبها وطلوعها ، وقال قتادة : مواقعها مواضعها من السماء ، وقيل : مواقعها عند الانقضاض إثر العفاريت ، وقال الحسن : مواقعها عند الانكدار يوم القيامة .


[10927]:أي: أمر معروف.
[10928]:من الآية (29) من سورة (الحديد).
[10929]:معنى هذا أن النفي محذوف، وهذا المنفي هو اسم (لا) وخبرها، ولهذا قال أبو حيان في البحر: إن هذا لا يجوز بسبب حذف الاسم والخبر. وهذا أمر لا يجوز إلا إذا دل عليهما من الكلام دليل، كأن يقع الكلام جوابا لسؤال، وهو ما لم يحدث هنا.
[10930]:قال أبو الفتح:"لأن هذا فعل حال-أي حاضر- ولو أريد الفعل المستقبل للزمت فيه النون فقيل:"لأقسمن".
[10931]:من الآية(19) من سورة (لقمان).
[10932]:من الآية (32) من سورة (ص).
[10933]:من الآية (26) من سورة (الرحمن).