قرأ العامة : «فَلاَ » لام ألف .
وفيه أوجه{[55039]} :
أحدها : أنها حرف نفي ، وأنَّ النفي بها محذوف ، وهو كلام الكافر الجاحد ، تقديره : فلا حجة لما يقول الكُفَّار ، ثم ذكر ابتداء قسماً بما ذكر .
وإليه ذهب كثير من المفسِّرين والنحويين .
قال الفرَّاء{[55040]} : «هي نفي ، والمعنى : ليس الأمر كما تقولون ، ثم استأنف [ القسم ] {[55041]} ، كما تقول : «لا والله ما كان كذا » ولا يريد به نفي اليمين ، بل يريد به نفي كلام تقدم ، أي : ليس الأمر كما ذكر ، بل هو كذا » .
وضعِّف هذا بأن فيه حذف اسم «لا » وخبرها .
قال أبو حيَّان{[55042]} : «ولا يجوز ولا ينبغي ، فإنَّ القائل بذلك مثل سعيد بن جبير تلميذ خبر القرآن وبحره عبد الله بن عباس .
ويبعد أن يقوله إلا بتوقيفٍ » .
الثاني : أنَّها زائدة للتأكيد . والمعنى : فأقسم ، بدليل قوله : وإنه لقسم ، ومثله في قوله تعالى : { لِّئَلاَّ يَعْلَمَ } [ الحديد : 29 ] ، والتقدير : ليعلم .
فَلاَ وأبِي أعْدائِهَا لا أخُونُهَا{[55043]} *** . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الثالث : أنها لام الابتداء ، والأصل : فلأقسم ، فأشبعت الفتحة ، فتولّد منها ألف .
أعُوذُ باللَّهِ مِنَ العَقْرَابِ{[55044]} *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قاله أبو حيَّان{[55045]} .
واستشهد بقراءة هشام : «أفئيدة »{[55046]} .
قال شهاب الدين{[55047]} : «وهذا ضعيف جدًّا » .
واستند أيضاً لقراءة{[55048]} الحسن وعيسى : «فلأقسم » بلام واحدة .
وفي هذه القراءة تخريجان{[55049]} :
أحدهما : أن «اللام » لام الابتداء ، وبعدها مبتدأ محذوف ، والفعل خبره ، فلما حذف المبتدأ اتصلت «اللام » بخبره ، وتقديره : «فلأنا أقسم » نحو : «لزيد منطلق » .
قاله الزمخشري{[55050]} وابن جني{[55051]} .
والثاني : أنها لام القسم دخلت على الفعل الحالي ، ويجوز أن يكون القسم جواباً للقسم ، كقوله : { وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا } [ التوبة : 107 ] ، وهو جواب لقسم مقدر ويجوز أن يكون القسم كذلك وهذا هو قول الكوفيين ، يجيزون أن يقسم على فعل الحال . والبصريون يأبونه ، ويخرجون ما يوهم ذلك على إضمار مبتدأ ، فيعود القسم على جملة اسمية .
ومنع الزمخشري أن تكون لام القسم .
قال{[55052]} : لأمرين :
أحدهما : أن حقها أن تقرن بالنون المؤكدة ، والإخلال بها ضعيف قبيحٌ .
والثاني : أن «لأفعلن » في جواب القسم للاستقبال ، وفعل القسم يجب أن يكون للحال .
يعني أن فعل القسم إنشاء ، والإنشاء حال .
وأمَّا قوله{[55053]} : «إنَّ حقَّها أن تقرن بها النون » ، هذا مذهب البصريين أيضاً . وأمَّا الكوفيون فيجيزون التَّعاقب بين اللام والنون ، نحو : «والله لأضرب زيداً » كقوله : [ الطويل ]
لَئِنْ تَكُ قَدْ ضَاقَتْ عَليْكُم بُيُوتكُمْ *** ليَعْلَمُ ربِّي أنَّ بَيْتِيَ واسِعُ{[55054]}
وقَتِيلِ مُرَّة أثأَرَنَّ . . . . . . . *** . . . . . . . . . . . . . . . . . {[55055]}
وقد تقدم قريب من هذه الآية في قوله تعالى : { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوكَ } [ النساء : 65 ] ، ولكن هناك ما لا يمكن القول به هنا ، كما أن هنا ما لا يمكن القول به هناك ، وسيأتي - إن شاء الله تعالى - قريب منه في «القيامة » في قراءة ابن كثير : { لأُقْسِمُ بِيَومِ القِيامَةِ } [ القيامة : 1 ] .
قال القرطبي{[55056]} : وقيل : «لا » بمعنى «ألاَ » للتنبيه ، كقوله : [ الطويل ]
ألا عِمْ صَبَاحاً أيُّهَا الطَّلَلُ البَالِي *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[55057]}
ونبَّه بهذا على فضيلة القرآن ليتدبروه ، فإنه ليس بشعر ، ولا سحر ، ولا كهانة كما زعموا .
وقرأ العامة : «بمواقع » جمعاً .
والأخوان{[55058]} : «بموقع » مفرداً بمعنى الجمع ؛ لأنه مصدر فوحَّد .
ومواقعها : مساقطها ومغاربها . قاله قتادة وغيره{[55059]} .
وقال الحسن : انكدارها وانتثارها يوم القيامة{[55060]} .
وقيل : المراد نجوم القرآن . قاله ابن عباس والسدي ، ويؤيده : «وإنه لقسم » و«إنَّه لقُرآن كريم » .
وقال عطاء بن أبي رباح : منازلها{[55061]} .
وقال الضحاك : هي الأنواء التي كانت أهل الجاهلية ، تقول إذا مطروا : مطرنا بنوء كذا{[55062]} .
وقال الماوردي : ويكون قوله تعالى : { فَلاَ أُقْسِمُ } مستعملاً على الحقيقة من نفي القسم .
وقال القشيري : هو قسم ، ولله أن يقسم بما يريد ، وليس لنا أن نقسم بغير الله - تعالى - وصفاته القديمة .
قال القرطبي{[55063]} : «ويدلُّ على هذا قراءة الحسن : فلأقسم » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.