البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞فَلَآ أُقۡسِمُ بِمَوَٰقِعِ ٱلنُّجُومِ} (75)

قرأ الجمهور : { فلا أقسم } ، فقيل : لا زائدة مؤكدة مثلها في قوله : { لئلا يعلم أهل الكتاب } والمعنى : فاقسم .

وقيل : المنفي المحذوف ، أي فلا صحة لما يقول الكفار .

ثم ابتدأ أقسم ، قاله سعيد بن جبير وبعض النحاة ؛ ولا يجوز ، لأن في ذلك حذف اسم لا وخبرها ، وليس جواباً لسائل سأل ، فيحتمل ذلك ، نحو قوله { لا } لمن قال : هل من رجل في الدار ؟ وقيل : توكيد مبالغة ما ، وهي كاستفتاح كلام شبهه في القسم ، إلا في شائع الكلام القسم وغيره ، ومنه .

فلا وأبي أعدائها لا أخونها . . .

والأولى عندي أنها لام أشبعت فتحتها ، فتولدت منها ألف ، كقوله :

أعوذ بالله من العقراب . . .

وهذا وإن كان قليلاً ، فقد جاء نظيره في قوله : { فاجعل أفئيدة من الناس } بياء بعد الهمزة ، وذلك في قراءة هشام ، فالمعنى : فلأقسم ، كقراءة الحسن وعيسى ، وخرج قراءة الحسن أبو الفتح على تقدير مبتدأ محذوف ، أي فلأنا أقسم ، وتبعه على ذلك الزمخشري .

وإنما ذهبا إلى ذلك لأنه فعل حال ، وفي القسم عليه خلاف .

فالذي اختاره ابن عصفور وغيره أن فعل الحال لا يجوز أن يقسم عليه ، فاحتاجوا إلى أن يصوروا المضارع خبراً لمبتدأ محذوف ، فتصير الجملة اسمية ، فيقسم عليها .

وذهب بعض النحويين إلى أن جواز القسم على فعل الحال ، وهذا الذي اختاره فتقول : والله ليخرج زيد ، وعليه قول الشاعر :

ليعلم ربي أن بيتي واسع . . .

وقال الزمخشري : في قراءة الحسن ، ولا يصح أن تكون اللام لام قسم لأمرين ، أحدهما : أن حقها أن تقرن بها النون المؤكدة ، والإخلال بها ضعيف قبيح ؛ والثاني : أن لأفعلنّ في جواب القسم للاستقبال ، وفعل القسم يجب أن يكون للحال . انتهى .

أما الأمر الأول ففيه خلاف ، فالذي قاله قول البصريين ، وأما الكوفيون فيختارون ذلك ، ولكن يجيزون تعاقبهما ، فيجيزون لأضربن زيداً ، واضربن عمراً .

وأما الثاني فصحيح ، لكنه هو الذي رجح عندنا أن تكون اللام في لا أقسم لام القسم ، وأقسم فعل حال ، والقسم قد يكون جواباً للقسم ؛ كما قال تعالى : { وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى } فاللام في { وليحلفن } جواب قسم ، وهو قسم ، لكنه لما لم يكن حلفهم حالاً ، بل مستقبلاً ، لزمت النون ، وهي مخلصة المضارع للاستقبال .

وقرأ الجمهور : { بمواقع } جمعاً ؛ وعمر وعبد الله وابن عباس وأهل المدينة وحمزة والكسائي : بموقع مفرداً ، مراداً به الجمع .

قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد وغيرهم : هي نجوم القرآن التي أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويؤيد هذا القول قوله : { إنه لقرآن } ، فعاد الضمير على ما يفهم من قوله : { بمواقع النجوم } ، أي نجوم القرآن .

وقيل : النجوم : الكواكب ومواقعها .

قال مجاهد وأبو عبيدة : عند طلوعها وغروبها .

وقال قتادة : مواقعها : مواضعها من السماء .

وقال الحسن : مواقعها عند الانكدار يوم القيامة .

وقيل : عند الانفضاض أثر العفاري