قوله تعالى : { فبأي آلاء ربكما تكذبان* فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان } قال الحسن وقتادة : لا يسألون عن ذنوبهم لتعلم من جهتهم ، لأن الله عز وجل اعلم بها منهم ، وكتبت الملائكة عليهم ، وهي رواية العوفي عن ابن عباس . وعنه أيضاً لا تسأل الملائكة المجرمين لأنهم يعرفونهم بسيماهم . دليله ما بعده ، وهذا قول مجاهد . وعن ابن عباس في الجمع بين هذه الآية وبين قوله : { فوربك لنسألنهم أجمعين }( الحجر-92 ) ، قال : لا يسألهم هل عملتم كذا وكذا ؟ لأنه أعلم بذلك منهم ، ولكن يسألهم لم عملتم كذا وكذا ؟ وعن عكرمة أنه قال : إنها مواطن ، يسأل في بعضها ولا يسأل في بعضها . وعن ابن عباس أيضاً : لا يسألون سؤال شفقة ورحمة وإنما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ . وقال أبو العالية : لا يسأل غير المجرم عن ذنب المجرم .
{ فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ } أي : سؤال استعلام بما وقع ، لأنه تعالى عالم الغيب والشهادة والماضي والمستقبل ، ويريد أن يجازي العباد بما علمه من أحوالهم ، وقد جعل لأهل الخير والشر يوم القيامة علامات يعرفون بها ، كما قال تعالى : { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ
القول في تأويل قوله تعالى : { فَيَوْمَئِذٍ لاّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنّ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ * يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنّوَاصِي وَالأقْدَامِ * فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } .
يقول تعالى ذكره : فيومئذٍ لا يسأل الملائكة المجرمين عن ذنوبهم ، لأن الله قد حفظها عليهم ، ولا يسأل بعضهم عن ذنوب بعض ربهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ وَلا جانّ يقول تعالى ذكره : لا يسألهم عن أعمالهم ، ولا يسأل بعضهم عن بعض وهو مثل قوله : وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ المُجْرِمُونَ ومثل قوله لمحمد صلى الله عليه وسلم وَلا تُسْئَلُ عَنْ أصحَابِ الجَحِيمِ .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في قوله : لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ وَلا جانّ قال : حفظ الله عزّ وجلّ عليهم أعمالهم .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ وَلا جانّ قال : كان مجاهد يقول : لا يسأل الملائكة عن المجرم يعرفون بسيماهم .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد بن مروان ، قال : حدثنا أبو العوّام ، عن قتادة فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَل عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ وَلا جانّ قال : قد كانت مسألة ثم ختم على ألسنة القوم فتتكلم أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون .
وقوله تعالى : { لا يسأل عن ذنبه } نفي للسؤال . وفي القرآن آيات تقتضي أن في القيامة سؤالاً ، وآيات تقتضي نفيه كهذه وغيرها ، فقال بعض الناس ذلك في مواطن دون مواطن ، وهو قول قتادة وعكرمة وقال ابن عباس وهو الأظهر في ذلك أن السؤال متى أثبت فهو بمعنى التوبيخ والتقرير ، ومتى نفي فهو بمعنى الاستخبار المحض والاستعلام ، لأن الله تعالى عليم بكل شيء .
وجملة { فيومئذ لا يسأل عن ذنبه } الخ جواب شرط ( إذا ) . واقترن بالفاء لأنها صُدرت باسم زمان وهو { يومئذٍ } وذلك لا يصلح لدخول ( إذا ) عليه .
ومعنى { لا يسئل عن ذنبه } : نفي السؤال الذي يريد به السائل معرفة حصول الأمر المتردّد فيه ، وهذا مثل قوله تعالى : { ولا يُسأل عن ذنوبهم المجرمون } [ القصص : 78 ] . وليس هو الذي في قوله تعالى : { فوربك لنسألنهم أجمعين عمّا كانوا يعملون } [ الحجر : 92 ، 93 ] وقوله : { وقفوهم إنهم مسؤولون } [ الصافات : 24 ] ، فإن ذلك للتقرير والتوبيخ فإن يوم القيامة متسع الزمان ، ففيه مواطن لا يسأل أهل الذنوب عن ذنوبهم ، وفيه مواطن يسألون فيها سؤالاً تقرير وتوبيخ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.