قوله تعالى : { ما يلفظ من قول } ما يتكلم من كلام فيلفظه أي : يرميه من فيه ، { إلا لديه رقيب } حافظ ، { عتيد } حاضر أينما كان . قال الحسن : إن الملائكة يجتنبون الإنسان على حالين : عند غائطه ، وعند جماعه . وقال مجاهد يكتبان عليه حتى أنينه في مرضه . وقال عكرمة : لا يكتبان إلا ما يؤجر عليه أو يوزر فيه . وقال الضحاك : مجلسهما تحت الشعر على الحنك ، ومثله عن الحسن ، وكان الحسن يعجبه أن ينظف عنفقته .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأنا الحسين بن محمد ابن الحسين الدينوري ، حدثنا إسماعيل بن جعفر بن حمدان ، حدثنا الفضل بن العباس ابن مهران ، حدثنا طالوت حدثنا حماد بن سلمة أنبأنا جعفر بن الزبير عن القاسم ابن محمد عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كاتب الحسنات على يمين الرجل ، وكاتب السيئات على يسار الرجل ، وكاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات ، فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشراً ، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال : دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر " .
وقوله : ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ يقول تعالى ذكره : ما يلفظ الإنسان من من قول فيتكلم به ، إلا عندما يلفظ به من قول رقيب عَتيد ، يعني حافظ يحفظه ، عتيد مُعَدّ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد عن اليمين وَعَنِ الشّمالِ قَعِيدٌ قال : عن اليمين الذي يكتب الحسنات ، وعن الشمال الذي يكتب السيئات .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم التيميّ ، في قوله : إذْ يَتَلَقّى المُتَلَقّيانِ عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشّمالِ قَعِيدٌ قال : صاحب اليمين أمير أو أمين على صاحب الشمال ، فإذا عمل العبد سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال : أمسك لعله يتوب .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا حكام ، قال : حدثنا عمرو ، عن منصور ، عن مجاهد إذ يَتَلَقّى المُتَلَقّيانِ عنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشّمالِ قَعِيدٌ قال ملك عن يمينه ، وآخر عن يساره ، فأما الذي عن يمينه فيكتب الخير ، وأما الذي عن شماله فيكتب الشرّ .
قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : مع كل إنسان مَلكان : ملك عن يمينه ، وملك عن يساره قال : فأما الذي عن يمينه ، فيكتب الخير ، وأما الذي عن يساره فيكتب الشرّ .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَلَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ . . . إلى عَتِيدٌ قال : جعل الله على ابن آدم حافظين في الليل ، وحافظين في النهار ، يحفظان عليه عمله ، ويكتبان أثره .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إذْ يَتَلَقّى المُتَلَقّيانِ عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشّمالِ قَعِيدٌ ، حتى بلغ عَتِيدٌ قال الحسن وقتادة ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ أي ما يتكلم به من شيء إلا كتب عليه . وكان عكرِمة يقول : إنما ذلك في الخير والشرّ يكتبان عليه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : تلا الحسن عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشّمالِ قَعِيدٌ قال : فقال : يا ابن آدم بُسِطت لك صحيفة ، ووكل بك ملَكان كريمان ، أحدهما عن يمينك ، والاَخر عن شمالك فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك وأما الذي عن شمالك فيحفظ سيئاتك ، فاعمل بما شئت أقلل أو أكثر ، حتى إذا متّ طويت صحيفتك ، فجعلت في عنقك معك في قبرك ، حتى تخرج يوم القيامة ، فعند ذلك يقول : وكُلّ إنْسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ . . . حتى بلغ حَسِيبا عَدَل والله عليك من جعلك حسيب نفسك .
حدثنا ابن حُمَيْد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشّمالِ قَعِيدٌ قال : كاتب الحسنات عن يمينه ، وكاتب السيئات عن شماله .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، قال : بلغني أن كاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات ، فإذا أذنب قال له : لا تعجل لعله يستغفر .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ قال : جعل معه من يكتب كلّ ما لفظ به ، وهو معه رقيب .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن هشام الحمصي ، أنه بلغه أن الرجل إذا عمل سيئة قال كاتب اليمين لصاحب الشمال : اكتب ، فيقول : لا بل أنت اكتب ، فيمتنعان ، فينادي مناد : يا صاحب الشمال اكتب ما ترك صاحب اليمين .
وقوله تعالى : { ما يلفظ من قول } قال الحسن بن أبي الحسن وقتادة : يكتب الملكان الكلام فيثبت الله من ذلك الحسنات ، والسيئات ، ويمحو غير ذلك ، وهذا هو ظاهر الآية ، قال أبو الجوزاء ومجاهد : يكتبان عليه كل شيء حتى أنينه في مرضه ، وقال عكرمة : المعنى : { ما يلفظ من قول } خير أو شر ، وأما ما خرج من هذا فإنه لا يكتب والأول أصوب ، وروي أن رجلاً قال لجمله : " حل " {[10529]} ، فقال ملك اليمين لا أكتبها ، وقال ملك الشمال لا أكتبها ، فأوحى الله إلى ملك الشمال أن اكتب ما ترك ملك اليمين ، وروي نحوه عن هشام الحمصي وهذه اللفظة إذا اعتبرت فهي بحسب مشيه ببعيره ، فإن كان في طاعة فحل حسنة ، وإن كان في معصية فهي سيئة والمتوسط بين هذين عسير الوجود ولا بد أن يقترن بكل أحوال المرء قرائن تخلصها للخير أو لخلافه .
وحكى الثعلبي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إن مقعد الملكين على الثنيتين ، قلمهما اللسان ، ومدادهما الريق »{[10530]} وقال الضحاك والحسن : مقعدهما تحت الشعر ، وكان الحسن يحب أن ينظف غفقته لذلك قال الحسن : حتى إذا مات طويت صحيفته وقيل له يوم القيامة : { اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً }{[10531]} [ الإسراء : 14 ] عدل والله عليه من جعله حسيب نفسه . والرقيب : المراقب . والعتيد : الحاضر .