الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ} (18)

وقوله سبحانه : { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ } الآية ، قال الحسن بن أبي الحسن وقتادة : يكتب الملكانِ جميعَ الكلام ، فيثبت اللَّه من ذلك الحسناتِ والسيئات ، ويمحو غيرَ هذا ، وهذا هو ظاهر هذه الآية ، قال أبو الجوزاء ، ومجاهد : يكتبان عليه كُلَّ شيء حتى أنينه في مرضه ، وقال عِكْرَمَةُ : يكتبان الخير والشَّرَّ فقط ؛ قال ( ع ) : والأوَّلُ أصوب .

( ت ) : وروى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّه قال : " كُلُّ شَيْءٍ يَتَكَلَّمُ بِهِ ابْنُ آدَمَ ، فَإنَّهُ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ ، إذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً ، فَأَحَبَّ أَنْ يَتُوبَ إلَى اللَّه ، فَلْيَأْتِ ، فَلْيَمُدَّ يَدَيْهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، ثُمَّ يَقُولُ : اللَّهُمَّ ، إنِّي أَتُوبُ إلَيْكَ مِنْهَا ، لاَ أَرْجِعُ إلَيْهَا أَبَداً ، فَإنَّهُ يُغْفَرُ لَهُ مَا لَمْ يَرْجِعْ في عَمَلِهِ ذَلِكَ " رواه الحاكم في «المستدرك » ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ، يعني البخاريَّ ومسلماً ، انتهى من «السِّلاح » ، قال النَّوَوِيُّ رحمه اللَّه تعالى : ينبغي لكل مُكَلَّفٍ أَنْ يحفظ لسانه من جميع الكلام إلاَّ كلاماً تظهر فيه مصلحته ، ومتى استوى الكلامُ وتركه بالمصلحة فالسُّنَّةُ الإمساكُ ؛ فإنَّهُ قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه ، وهذا هو الغالب ، والسلامة لا يعدلها شيءٌ ، وقد صَحَّ عنه صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاريُّ ومسلم أَنَّه قال : " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ، فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَصْمُتْ " وهو نَصٌّ صريح فيما قلناه ، قال : ورُوِّينَا في «كتاب الترمذيِّ » و«ابن ماجه » عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّه قال : " مِنْ حُسْنِ إسْلاَم المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ " قال الترمذيُّ : حديث حسن ، وفيه عنه صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ وَقَاهُ اللَّهُ شَرَّ مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَشَرَّ مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ ، دَخَلَ الجَنَّةَ " قال الترمذيُّ : حديث حسن ، انتهى . و( الرقيب ) : المُرَاقِبُ ، والعتيد : الحاضر .