فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ} (18)

{ ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } أي ما يتكلم من كلام فيلفظه ويرميه من فيه إلا لدى ذلك اللافظ ملك يرقب قوله ويكتب ، والرقيب الحافظ المتتبع لأمور الإنسان الذي يكتب ما يقوله من خير وشر ، فكاتب الخير هو ملك اليمين . وكاتب الشر ملك الشمال . والعتيد الحاضر المهيأ . قال الجوهري : العتيد المهيأ . يقال : عتده تعتيدا وأعتده إعتادا . أي أعده .

ومنه : { وأعتدت لهن متكأ } والمراد ههنا أنه معد للكتابة مهيأ لها . والإفراد في رقيب عتيد مع إطلاعهما معا على ما صدر منه لما أن كل منهما رقيب لما فوض إليه لما فوض لصاحبه كما ينبئ عنه قوله : عتيد . وتخصيص القول بالذكر لإثبات الحكم في الفعل بدلالة النص . فعلم أن كلا منهما يقال له : { رقيب عتيد } . ويعلم من هذه الآية أن الملكين معدان لذلك بخلاف الأولى فإنه لا يعلم منها ذلك ، وأيضا يعلم من هذه صريحا أن الملك يضبط كل لفظ ولا يعلم ذلك من الأولى ، قال أبو سعيد في الآية : يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر حتى إنه ليكتب قوله أكلت شربت ذهبت جئت رأيت حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله فأقر منه ما كان من خير أو شر وألقي سائره فذلك قوله : { يمحو الله ما يشاء ويثبت } وقال ابن عباس : إنما يكتب الخير والشر ، لا يكتب يا غلام أسرج الفرس يا غلام أسقني الماء .

وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله غفر لهذه الأمة ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم {[1532]} .

وعن عمرو بن ذر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله عند لسان كل قائل فليتق الله عبد ولينظر ما يقول " أخرجه أحمد وأبو نعيم والبيهقي في الشعب وابن أبي شيبة وأخرجه الحكيم الترمذي عن ابن عباس مرفوعا مثله .


[1532]:مسلم.