معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٖ ثُمَّ قَضَىٰٓ أَجَلٗاۖ وَأَجَلٞ مُّسَمًّى عِندَهُۥۖ ثُمَّ أَنتُمۡ تَمۡتَرُونَ} (2)

قوله تعالى : { هو الذي خلقكم من طين } ، يعني آدم عليه السلام : خاطبهم به إذ كانوا من ولده ، قال السدي : بعث الله تعالى جبريل عليه السلام إلى الأرض ليأتيه بطائفة منها ، فقالت الأرض : إني أعوذ بالله منك أن تنقص مني ، فرجع جبريل ولم يأخذ ، وقال : يا رب : إنها عاذت بك ، فبعث ميكائيل ، فاستعاذت فرجع ، فبعث ملك الموت فعاذت منه بالله ، فقال : وأنا أعوذ بالله أن أخالف أمره ، فأخذ من وجه الأرض ، فخلط الحمراء ، والسوداء ، والبيضاء ، فلذلك اختلفت ألوان بني آدم ، ثم عجنها بالماء العذب ، والملح ، والمر ، كذا اختلفت أخلاقهم ، فقال الله تعالى لملك الموت : رحم جبريل ، وميكائيل ، الأرض . ولم ترحمها ، لا جرم ، أخرج أرواح من أخلق من هذا الطين بيدك . وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : خلق الله آدم عليه السلام من تراب ، وجعله طيناً ، ثم تركه حتى كان حماً مسنوناً ، ثم خلقه وصوره وتركه ، حتى كان صلصالاً كالفخار ، ثم نفخ فيه روحه .

قوله تعالى : { ثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده } ، قال الحسن ، وقتادة ، والضحاك : الأجل الأول من الولادة إلى الموت ، والآجل الثاني من الموت إلى البعث ، وهو البرزخ . وروي ذلك عن ابن عباس ، وقال : لكل أحد أجلان ، أجل من الولادة إلى الموت ، وأجل من الموت إلى البعث ، فإن كان براً تقياً ، وصولاً للرحم ، زيد له من أجل البعث ، في أجل العمر . وإن كان فاجراً قاطعاً للرحم ، نقص من أجل العمر ، وزيد في أجل البعث ، وقال مجاهد وسعيد بن جبير : الأجل الأول أجل الدنيا ، والأجل الثاني أجل الآخرة ، وقال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما : { ثم قضى أجلاً } يعني : النوم ، تقبض فيه الروح ثم ترجع عند اليقظة . { وأجل مسمى عنده } ، هو أجل الموت ، وقيل : هما واحد معناه :ثم قضى أجلا يعني : جعل لأعماركم مدة تنتهون إليها ، { وأجل مسمى عنده } يعني : وهو أجل مسمىً عنده ، لا يعلمه غيره .

قوله تعالى : { ثم أنتم تمترون } ، تشكون في البعث .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٖ ثُمَّ قَضَىٰٓ أَجَلٗاۖ وَأَجَلٞ مُّسَمًّى عِندَهُۥۖ ثُمَّ أَنتُمۡ تَمۡتَرُونَ} (2)

{ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ } وذلك بخلق مادتكم وأبيكم آدم عليه السلام . { ثُمَّ قَضَى أَجَلًا } أي : ضرب لمدة إقامتكم في هذه الدار أجلا ، تتمتعون به وتمتحنون ، وتبتلون بما يرسل إليكم به رسله . { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } ويعمركم ما يتذكر فيه من تذكر . { وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ } وهي : الدار الآخرة ، التي ينتقل العباد إليها من هذه الدار ، فيجازيهم بأعمالهم من خير وشر .

{ ثُمَّ } مع هذا البيان التام وقطع الحجة { أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ } أي : تشكون في وعد الله ووعيده ، ووقوع الجزاء يوم القيامة .

وذكر الله الظلمات بالجمع ، لكثرة موادها وتنوع طرقها . ووحد النور لكون الصراط الموصلة إلى الله واحدة لا تعدد فيها ، ، وهي : الصراط المتضمنة للعلم بالحق والعمل به ، كما قال تعالى : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٖ ثُمَّ قَضَىٰٓ أَجَلٗاۖ وَأَجَلٞ مُّسَمًّى عِندَهُۥۖ ثُمَّ أَنتُمۡ تَمۡتَرُونَ} (2)

القول في تأويل قوله تعالى : { هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن طِينٍ ثُمّ قَضَىَ أَجَلاً وَأَجَلٌ مّسمّى عِندَهُ ثُمّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ } . .

يعني تعالى ذكره بقوله : هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ أن الله الذي خلق السموات والأرض ، وأظلم ليلهما وأنار نهارهم ، فكفر به مع إنعامه عليهم الكافرون ، وعدلوا به من لا ينفعهم ولا يضرّهم . هو الذي خلقكم أيها الناس من طين وإنما يعني بذلك تعالى ذكره أن الناس وَلَدُ مَن خَلَقه من طين ، فأخرج ذلك مخرج الخطاب لهم ، إذ كانوا وَلَدَه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ بدء الخلق خلق الله آدم من طين .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ قال : هو آدم .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : أما خَلَقكم من طين : فآدم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو تميلة ، عن عبيد بن سليمان ، عن الضحاك بن مزاحم ، قال : خلق آدم من طين ، وخلق الناس من سلالة من ماء مهين .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ قال : خلق آدم من طين ، ثم خلقنا من آدم حين أخذنا من ظهره .

القول في تأويل قوله تعالى : ثُمّ قَضَى أجَلاً وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ .

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى قوله : ثُمّ قَضَى أجَلاً : ثم قضى لكم أيها الناس أجلاً ، وذلك ما بين أن يُخلق إلى أن يموت وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ وذلك ما بين أن يموت إلى أن يبعث . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، وهناد بن السريّ ، قالا : حدثنا وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أبي بكر الهذليّ ، عن الحسن ، في قوله : قَضَى أجَلاً قال : ما بين أن يخلق إلى أن يموت . وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ قال : ما بين أن يموت إلى أن يبعث .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ثُمّ قَضَى أجَلاً وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ كان يقول : أجلَ حياتك إلى أن تموت وأجَل موتك إلى أن تبعث ، فأنت بين أجلين من الله تعالى .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو تميلة ، عن عبيد بن سليمان ، عن الضحاك بن مزاحم : قَضَى أجَلاً وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ قال : قضى أجل الموت ، وكلّ نفس أجلها الموت . قال : وَلَنْ يُؤَخّرَ اللّهُ نَفْسا إذَا جَاءَ أجَلُها . وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ يعني : أجل الساعة ذهاب الدنيا والإفضاء إلى الله .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ثم قضى الدنيا وعنده الاَخرة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قوله : أجَلاً قال : الدنيا . وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ الاَخرة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن زكريا بن إسحاق ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : قَضَى أجَلاً قال : الاَخرة عنده . وأجَلٌ مُسَمّى الدنيا .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : أجَلاً قال : الاَخرة عنده . وأجَلٌ مُسَمّى قال : الدنيا .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : أجَلاً قال : الاَخرة عنده . وأجَلٌ مُسَمّى قال : الدنيا .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة والحسن : ثُمّ قَضَى أجَلاً وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ قالا : قضى أجل الدنيا من حين خلقك إلى أن تموت . وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ يوم القيامة .

حدثنا هناد ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن مجاهد وعكرمة : ثُمّ قَضَى أجَلاً وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ قال : قضى أجل الدنيا . وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ قال : هو أجل البعث .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن مجاهد وعكرمة : ثُمّ قَضَى أجَلاً قال : الموت . وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ الاَخرة .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة والحسن ، في قوله : ثُمّ قَضَى أجَلاً وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ قالا : قضى أجل الدنيا منذ يوم خلقت إلى أن تموت ، وأجل مسمى عنده يوم القيامة .

حدثنا ابن وكيع وابن حميد ، قالا : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد : قَضَى أجَلاً قال : أجل الدنيا . وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ قال : البعث .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن طلحة ، عن ابن عباس : ثُمّ قَضَى أجَلاً وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ يعني : أجل الموت . والأجل المسمى : أجل الساعة ، الوقوف عند الله .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ قَضَى أجَلاً قال : أما قضى أجلاً : فأجل الموت . وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ يوم القيامة .

وقال آخرون في ذلك بما :

حدثني به محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : ثُمّ قَضَي أجَلاً وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ قال : أما قوله : قَضَي أجَلاً فهو النوم تقبض فيه الروح ثم ترجع إلى صاحبها حين اليقظة . وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ : هو أجل موت الإنسان .

وقال آخرون بما :

حدثني به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، في قوله : هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمّ قَضَى أجَلاً وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ ثُمّ أنْتُمْ تَمْتَرُونَ قال : خلق آدم من طين ، ثم خلقنا من آدم ، أخذنا من ظهره ، ثم أخذ الأجل والميثاق في أجل واحد مسمى في هذه الحياة الدنيا .

وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال : معناه : ثم قضى أجل هذه الحياة الدنيا ، وأَجَلٌ مُسَمّى عّهْدَهُ وهو أجل البعث عنده .

وإنما قيل ذلك أولى بالصواب ، لأنه تعالى نبه خلقه على موضع حجته عليهم من أنفسهم ، فقال لهم : أيها الناس ، إن الذي يعدل به كفاركم الاَلهة والأنداد هو الذي خلقكم فابتدأكم وأنشأكم من طين ، فجعلكم صورا أجساما أحياء بعد إذ كنتم طينا جمادا ، ثم قضى آجال حياتكم لفنائكم ومماتكم ، ليعيدكم ترابا وطينا كالذي كنتم قبل أن ينشأكم ويخلقكم . وأَجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ لإعادتكم أحياء وأجساما كالذي كنتم قبل مماتكم . وذلك نظير قوله : كَيْفَ تَكْفُرُونَ باللّهِ وكُنْتُمْ أمْوات فأحْيَاكُمْ ثُمّ يُمِيْتُكُمْ ثُمّ يُحُيِيكُمْ ثُمّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ .

القول في تأويل قوله تعالى : ثُمّ أنْتُمْ تَمْتُرُونَ .

يقول تعالى ذكره : ثم أنتم تشكون في قدرة من قدر على خلق السموات والأرض ، وإظلام الليل وإنارة النهار ، وخلقكم من طين حتى صيركم بالهيئة التي أنتم بها على إنشائه إياكم من بعد مماتكم وفنائكم ، وإيجاده إياكم بعد عدمكم . والمرية في كلام العرب هي الشكّ ، وقد بينت ذلك بشواهده في غير هذا الموضع فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته . وقد :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : ثُمّ أنْتُمْ تَمْتَرُونَ قال : الشكّ . قال : وقرأ قول الله : فِي مِرْيَةٍ منْهُ قال : في شكّ منه .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : ثُمّ أنْتُمْ تَمْتَرُونَ بمثله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٖ ثُمَّ قَضَىٰٓ أَجَلٗاۖ وَأَجَلٞ مُّسَمًّى عِندَهُۥۖ ثُمَّ أَنتُمۡ تَمۡتَرُونَ} (2)

{ هو الذي خلقكم من طين } أي ابتدأ خلقكم منه ، فإنه المادة الأولى وأن آدم الذي هو أصل البشر خلق منه ، أو خلق أباكم فحذف المضاف . { ثم قضى أجلا } أجل الموت . { وأجل مسمى عنده } أجل القيامة . وقيل الأول ما بين الخلق والموت ، { والثاني ما بين الموت والبعث ، فإن الأجل كما يطلق لآخر المدة يطلق لجملتها . وقيل الأول النوم والثاني الموت . وقيل الأول لمن مضى والثاني لمن بقي ولمن يأتي ، وأجل نكرة خصصت بالصفة ولذلك استغني عن تقديم الخبر والاستئناف به لتعظيمه ولذلك نكر ووصف بأنه مسمى أي مثبت معين لا يقبل التغيير ، وأخبر عنه بأنه عند الله لا مدخل لغيره فيه يعلم ولا قدرة ولأنه المقصود بيانه . { ثم أنتم تمترون } استبعاد لامترائهم بعد ما ثبت أنه خالقهم وخالق أصولهم ومحييهم إلى آجالهم ، فإن من قدر على خلق المواد وجمعها وإيداع الحياة فيها وإبقائها ما يشاء كان أقدر على جمع تلك المواد وإحيائها ثانيا ، فالآية الأولى دليل التوحيد والثانية دليل البعث ، والامتراء الشك وأصله المري وهو استخراج اللبن من الضرع .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٖ ثُمَّ قَضَىٰٓ أَجَلٗاۖ وَأَجَلٞ مُّسَمًّى عِندَهُۥۖ ثُمَّ أَنتُمۡ تَمۡتَرُونَ} (2)

قال مجاهد وقتادة والضحاك وغيرهم . . المعنى خلق آدم من طين والبشر من آدم فلذلك قال : { خلقكم من طين } وحكى المهدوي عن فرقة أنها قالت بل المعنى أن النطفة التي يخلق منها الإنسان أصلها من طين ثم يقلبها الله نطفة ، وذكره مكي والزهراوي ، والقول الأول أليق بالشريعة لأن القول الثاني إنما يترتب على قول من يقول بأن الطين يرجع بعد التولد والاستحالات الكثيرة نطفة ، وذلك مردود عند الأصوليين ، واختلف المفسرون في هذين الأجلين ، فقال الحسن بن أبي الحسن وقتادة والضحاك ، { أجلاً } أجل الإنسان من لدن ولادته إلى موته ، والأجل المسمى عنده من وقت موته إلى حشره ، ووصفه بمسمى عنده لأنه استأثر بعلم وقت القيامة ، وقال ابن عباس : { أجلاً } ، الدنيا ، { أجل مسمى } الآخرة ، وقال مجاهد : { أجلاً } الآخرة ، { وأجل مسمى } ، الدنيا بعكس الذي قبله ، وقال ابن عباس أيضاً : { أجلاً } ، وفاة الإنسان بالنوم ، { وأجل مسمى } وفاته بالموت وقال ابن زيد ، الأجل الأول هو في وقت أخذ الميثاق على بني آدم حين استخرجهم من ظهر آدم ، وبقي «أجل » واحد مسمى في هذه الحياة الدنيا ، وحكى المهدوي عن فرقة { أجلاً } ، ما عرف الناس من آجال الأهلة والسنين والكوائن ، { وأجل مسمى } قيام الساعة ، وحكي أيضاً عن فرقة { أجلاً } مسمى{[4819]} : ما عرفناه من أنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم ، { وأجل مسمى } الآخرة .

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وينبغي أن تتأمل لفظة { قضى } في هذه الآية فإنها تحتمل معنيين ، فإن جعلت بمعنى قدر وكتب ورجعت إلى سابق علمه وقدره فيقول إن ذلك ولا بد قبل خلقه آدم من طين ، وتخرج ثم من معهودها في ترتيب زمَنْي وقوع القصتين ويبقى لها ترتيب زمَني الإخبار عنه ، كأنه قال : أخبركم أنه خلقكم من طين ثم أخبركم أنه قضى أجلاً ، وإن جعلت { قضى } بمعنى أوجد وأظهر ويرجع ذلك إلى صفة فعل فيصح أن يكون خلق آدم من طين قبل إظهار هذا الأجل وإبدائه ، وتكون [ ثم ] على بابها في ترتيب زمَنْي وقوع القضيتين . و { تمترون } معناه : تشكون ، والمرية : الشك{[4820]} .

وقوله : { ثم أنتم } على نحو قوله : { ثم الذين كفروا بربهم يعدلون } في التوبيخ على سوء الفعل بعد مهلة من وضوح الحجج .


[4819]:-هكذا بالنسخ التي بين أيدينا- ولفظة [مسمى] ليس لها موضع هنا لعلها من زيادة النساخ، وكلمة [مسمى] معناها: معلوم، و[عنده] يعني مذكور في اللوح المحفوظ، أو هي مجاز عن علمه ولا يراد المكان.
[4820]:- من التماري على مذهب الشك قوله تعالى: {أفتمارونه على ما يرى}.