معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰٓ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلۡتَ إِلَيَّ مِنۡ خَيۡرٖ فَقِيرٞ} (24)

{ فسقى لهما ثم تولى إلى الظل } ظل شجرة ، فجلس في ظلها من شدة الحر وهو جائع ، { فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير } من طعام ، { فقير } قال أهل اللغة اللام بمعنى إلى ، يقال : هو فقير له ، وفقير إليه ، يقول : إني لما أنزلت إلي من خير ، أي : طعام ، فقير محتاج ، كان يطلب الطعام لجوعه . قال ابن عباس : سأل الله تعالى فلقة خبز يقيم بها صلبه . قال محمد الباقر : لقد قالها وإنه لمحتاج إلى شق تمرة . وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : لقد قال موسى : { رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير } وهو أكرم خلقه عليه ، ولقد افتقر إلى شق تمرة . وقال مجاهد : ما سأله إلا الخبز . قالوا : فلما رجعتا إلى أبيهما سريعاً قبل الناس وأغنامهما حفل بطان ، قال لهما : ما أعجلكما ؟ قالتا : وجدنا رجلاً صالحاً رحمنا فسقى لنا أغنامنا ، فقال لإحداهما : اذهبي فادعيه لي .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰٓ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلۡتَ إِلَيَّ مِنۡ خَيۡرٖ فَقِيرٞ} (24)

فرق لهما موسى عليه السلام ورحمهما { فَسَقَى لَهُمَا } غير طالب منهما الأجرة ، ولا له قصد غير وجه اللّه تعالى ، فلما سقى لهما ، وكان ذلك وقت شدة حر ، وسط النهار ، بدليل قوله : { ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ } مستريحا لذلك الظلال بعد التعب .

{ فَقَالَ } في تلك الحالة ، مسترزقا ربه { رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } أي : إني مفتقر للخير الذي تسوقه إليَّ وتيسره لي . وهذا سؤال منه بحاله ، والسؤال بالحال أبلغ من السؤال بلسان المقال ، فلم يزل في هذه الحالة داعيا ربه متملقا . وأما المرأتان ، فذهبتا إلى أبيهما ، وأخبرتاه بما جرى .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰٓ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلۡتَ إِلَيَّ مِنۡ خَيۡرٖ فَقِيرٞ} (24)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَسَقَىَ لَهُمَا ثُمّ تَوَلّىَ إِلَى الظّلّ فَقَالَ رَبّ إِنّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } .

يقول تعالى ذكره : فسقى موسى للمرأتين ماشيتهما ، ثم تولى إلى ظلّ شجرة ذُكِر أنها سَمُرة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ثُمّ تَوّلى موسى إلى ظلّ شجرة سَمُرة ، فقال : رَبّ إنّي لِمَا أنْزَلْتَ إليّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ .

حدثني العباس ، قال : حدثنا يزيد ، قال : أخبرنا الأصبغ ، قال : حدثنا القاسم ، قال : ثني سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، قال : انصرف موسى إلى شجرة ، فاستظلّ بظلّها ، فقالَ : رَبّ إنّي لِمَا أنْزَلّتَ إليّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ .

حدثني الحسين بن عمرو العنقزي ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله ، قال : حثثت على جَمَلَ لي ليلتين حتى صبحت مدين ، فسألت عن الشجرة التي أوى إليها موسى ، فإذا شجرة خضراء تَرِفّ ، فأهوى إليها جملي وكان جائعا ، فأخذها جملي ، فعالجها ساعة ، ثم لفظها ، فدعوت الله لموسى عليه السلام ، ثم انصرفت . وقوله : فقالَ رَبّ إنّي لِمَا أنْزَلْتَ إليّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ محتاج . وذُكر أن نبيّ الله موسى عليه السلام قال هذا القول ، وهو بجهد شديد ، وعَرّض ذلك للمرأتين تعريضا لهما ، لعلهما أن تُطعماه مما به من شدّة الجوع .

وقيل : إن الخير الذي قال نبيّ الله إنّي لِما أنْزَلْتَ إليّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ محتاج ، إنّمَا عنى به : شَبْعَةً من طعام . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، عن ابن عباس ، قال : لما هرب موسى من فرعون أصابه جوع شديد ، حتى كانت تُرَى أمعاؤه من ظاهر الصّفاق فلما سقى للمرأتين ، وأوى إلى الظلّ ، قال : رَبّ إنّي لِمَا أنْزَلْتَ إليّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، قال : حدثنا عنبسة ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : وَلمّا وَرَد ماءَ مَدْيَنَ قال : ورد الماء وإنه ليتراءَى خُضرةُ البقل في بطنه من الهُزال ، فقال رَبّ إنّي لِمَا أنْزَلْتَ إليّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ قال : شَبْعة .

حدثني نصر بن عبد الرحمن الأَوْدِيّ ، قال : حدثنا حَكّام بن سلم ، عن عنبسة ، عن أبي حُصَين ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، في قوله : وَلمّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ قال : ورد الماء ، وإنّ خُضرة البقل لُترى في بطنه من الهُزال .

حدثني نصر بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا حكام بن سَلْم ، عن عنبسة ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جُبَير إنّي لِمَا أنْزَلْتَ إلى مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ قال : شَبْعَة يومئذٍ .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان عن منصور ، عن إبراهيم ، في قوله ، فقال : رَبّ إنّي لِمَا أنْزَلْتَ إليّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ قال : قال هذا وما معه درهم ولا دينار .

قال : ثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد إنّي لِمَا أنْزَلْتَ إليّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ قال : ما سأل إلا الطّعام .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سَلَمة بن الفضل ، عن سفيان الثوريّ ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله فقال : رَبّ إنّي لِمَا أنْزَلْتَ إليّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ قال : ما سأل ربه إلا الطعام .

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ قالَ رَبّ إنيّ لِمَا أنْزَلْتَ إليّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ قال : قال ابن عباس : لقد قال موسى : ولو شاء إنسان أن ينظر إلى خُضرة أمعائه من شدة الجوع ، وما يسأل الله إلا أَكْلة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قال : رَبّ إنّي لِمَا أنْزَلْتَ إليّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ قال : كان نبيّ الله بجهد .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن عطاء بن السائب في قوله : إنّي لِمَا أنْزَلْتَ إليّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ قال : بلغني أن موسى قالها وأسمع المرأة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثني أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ قال : طعام .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ قال : طعام .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : إنّي لِمَا أنْزَلْتَ إليّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ قال : الطعامَ يَسْتَطْعِم ، لم يكن معه طعام ، وإنما سأل الطعام .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰٓ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلۡتَ إِلَيَّ مِنۡ خَيۡرٖ فَقِيرٞ} (24)

{ فسقى لهما } مواشيهما رحمة عليهما . قيل كانت الرعاة يضعون على رأس البئر حجرا لا يقله إلا سبعة رجال أو أكثر فأقله وحده مع ما كان به من الوصب والجوع وجراحة القدم ، وقيل كانت بئرا أخرى عليها صخرة فرفعها واستقى منها . { ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي } لأي شيء أنزلت إلي . { من خير } قليل أو كثير وحمله الأكثرون على الطعام . { فقير } محتاج سائل ولذلك عدي باللام ، وقيل معناه أني لما أنزلت إلى من خير الدين صرت فقيرا في الدنيا ، لأنه كان في سعة عند فرعون والغرض منه إظهار التبجح والشكر على ذلك .