السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰٓ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلۡتَ إِلَيَّ مِنۡ خَيۡرٖ فَقِيرٞ} (24)

{ فسقى } أي : موسى عليه السلام { لهما } والمفعول محذوف أي : غنمهما لما علم ضرورتهما انتهازاً لفرصة الأجر وكرم الخلق في مساعدة الضعيف مع ما به من النصب والجوع وسقوط خف القدم ولكنه رحمهما وأغاثهما وكفاهما أمر السقي في مثل تلك الزحمة بقوّة قلبه وقوّة ساعده وما آتاه الله تعالى من الفضل في متانة الفطرة ورصانة الجبلِّة { ثم تولى } أي : انصرف جاعلاً ظهره يلي ما كان يليه وجهه { إلى الظل } أي : ظل سمرة فجلس في ظلها ليقيل ويستريح مقبلاً على الخالق بعدما قضى من نصيحة الخلائق وهو جائع ، قال الضحاك : لبث سبعة أيام لم يذق طعاماً إلا بقل الأرض { فقال رب إني } وأكد الافتقار بالالصاق باللام دون إلى بقوله { لما أنزلت إليّ من خير } قليل أو كثير غث أو سمين { فقير } أي : محتاج سائل .

تنبيه : { لما أنزلت } متعلق بفقير قال الزمخشري عدَّى فقير باللام لأنه ضمن معنى سائل وطالب ويحتمل إني فقير من الدنيا لأجل ما أنزلت إليّ من خير الدين وهو النجاة من الظالمين وليس في الشكوى إلى الغنى المطلق نقص ، قال ابن عباس سأل الله تعالى فلقة خبز يقيم بها صلبه ، وقال الباقر : لقد قالها وإنه لمحتاج إلى شق تمرة ، وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : لقد قال موسى ذلك وهو أكرم خلقه عليه وإنه كان قد بلغ به من الضر أن اخضرّ بطنه من أكل البقل وضعف حتى لصق بطنه الشريف بظهره وإنما قال ذلك في نفسه مع ربه وهو اللائق به ، وقيل رفع به صوته لاستماع المرأتين وطلب الطعام وهذا لا يليق بموسى عليه السلام فانظر إلى هذا النبيّ عليه السلام وهو خلاصة ذلك الزمان ليكون لك في ذلك أسوة وتجعله إماماً وقدوة وتقول ما لقي الأنبياء والصالحون من الضيق والأهوال في سجن الحياة الدنيا صوناً لهم منها وإكراماً من ربهم عنها رفعة لدرجاتهم واستهانة لها وإن ظنه الجاهل المغرور على غير ذلك وفي القصة ترغيب في الخير وحث على المعاونة على البرّ وبعث على بذل المعروف مع الجهد .