فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰٓ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلۡتَ إِلَيَّ مِنۡ خَيۡرٖ فَقِيرٞ} (24)

{ فسقى لهما } أي : سقى أغنامهما لأجلهما رغبة في المعروف وإغاثة للملهوف ، قال المحلي : سقى من بئر أخرى ، لقربها ، رفع حجرا عنها لا يرفعه إلا عشرة أنفس انتهى { ثم } لما فرغ من السقي لهما { تولى إلى الظل } أي : انصرف إليه فجلس فيه من شدة الحر وهو جائع . قيل : كان هذا الظل ظل سمرة هنالك ، وهي شجرة من شجر الطلح وفيه دليل على جواز الاستراحة في الدنيا بخلاف ما يقوله بعض المتقشفة .

{ فقال } أي ثم قال لما أصابه من الجهد والتعب مناديا لربه { رب إني لما أنزلت إلي من خير } أي خير كان { فقير } أي محتاج إلى ذلك واللام بمعنى إلى ، قال الأخفش : يقال هو فقير له وإليه ، قال ابن عباس لقد قال موسى رب الخ وهو أكرم خلقه عليه ، ولقد افتقر إلى شق تمرة ، ولقد لصق بطنه بظهره من شدة الجوع . وعنه قال : ما سأل إلا الطعام ؛ وعنه قال : سأل فلقا من الخبز يشد بها صلبه من الجوع ، ويحتمل أن يريد أني فقير من الدنيا لأجل ما أنزلت إليّ من خير الدين وهو النجاة من الظالمين ، لأنه كان عند فرعون في ملك وثروة ، قال ذلك رضا بالبدل السني ، وفرحا بالعوض الهني ، وشكرا لله على الغني . وقال ابن عطاء : نظر من العبودية إلى الربوبية ، وتكلم بلسان الافتقار ، لما ورد على سره من الأنوار .