الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰٓ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلۡتَ إِلَيَّ مِنۡ خَيۡرٖ فَقِيرٞ} (24)

وقوله تعالى : { فسقى لَهُمَا } [ القصص : 24 ] .

قالت فرقة : كانت آبارهم مغطاةً بحجارةٍ كبارٍ ، فَعَمَدَ إلى بِئْرٍ ، وكان حَجَرُهَا لاَ يرفعُه إلاَّ جَماعَة ، فَرَفَعَهُ وسقى للمرأتين . فَعَنْ رَفْعِ الصَّخْرَةِ وصِفتْه إحداهُما بالقوة ، وقيل وصفَتْه بالقوة لأنه زَحَمَ النَّاسَ وغَلَبَهُمْ عَلى المَاءِ حتى سَقَى لهما ، وقرأ الجمهور «يُصْدِر الرِّعَاء » على حَذْفِ المفعولِ تقديرُه : مواشِيَهم ، وتَولّى موسى إلى الظلِّ وتعرَّضَ لسؤَال ما يَطعَمُه بقوله : { رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } ولم يُصَرِّحْ بسؤالٍ هكَذا ، رَوَى جَمِيعُ المفسرينَ أنَّه طلبَ في هذا الكلامَ ما يأكلُه ، قال ابن عباس : وكان قَدْ بَلَغَ به عليه السلام الجوعُ إلى أن اخْضَرَّ لونُه من أكل البَقْل ، وَرِيئَتْ خُضْرة البقْلِ في بَطْنِهِ ، وإنه لأَكْرَمُ الخلقِ يومئِذٍ على اللّه ، وفي هذا مُعْتَبَرٌ وحاكمٌ بهَوَانِ الدُّنْيا على اللّه تعالى ، وعن معاذ بن أنس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أَكَلَ طَعَاماً ، فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا الطَّعَامَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلاَ قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وما تأخر ، ومَنْ لَبِسَ ثَوْباً ، فَقَالَ : الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا الثَّوْبَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلاَ قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ) رواه أبو داود واللفظُ له ، والترمذيُّ وابن ماجه والحاكم في «المستدرك » ، وقال : صحيح على شرط البخاريِّ ، وقالَ الترمذيُّ : حسنٌ غريبٌ ، انتهى من «السِّلاح » .