البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰٓ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلۡتَ إِلَيَّ مِنۡ خَيۡرٖ فَقِيرٞ} (24)

{ فسقى لهما } : أي سقى غنمهما لأجلهما .

وروي أن الرعاة كانوا يضعون على رأس البئر حجراً لا يقله إلا عدد من الرجال ، واضطرب النقل في العدد ، فأقل ما قالوا سبعة ، وأكثره مائة ، فأقله وحده .

وقيل : كانت لهم دلو لا ينزع بها إلا أربعون ، فنزع بها وحده .

وروي أنه زاحمهم على الماء حتى سقى لهما ، كل ذلك رغبة في الثواب على ما كان به من نصب السفر وكثرة الجوع ، حتى كانت تظهر الخضرة في بطنه من البقل .

وقيل : إنه مشى حتى سقط أصله ، وهو باطن القدم ، ومع ذلك أغاثهما وكفاهما أمر السقي .

وقد طابق جوابهما لسؤاله .

سألهما عن سبب الذود ، فأجاباه : بأنا امرأتان ضعيفتان مستورتان ، لا نقدر على مزاحمة الرجال ، فنؤخر السقي إلى فراغهم .

ومباشرتهما ذلك ليس بمحظور ، وعادة العرب وأهل البدو في ذلك غير عادة أهل الحضر والأعاجم ، لا سيما إذا دعت إلى ذلك ضرورة .

{ ثم تولى إلى الظل } ، قال ابن مسعود : ظل شجرة .

قيل : كانت سمرة .

وقيل : إلى ظل جدار لا سقف له .

وقيل : جعل ظهره يلي ما كان يلي وجهه من الشمس .

{ فقال رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير } ، قال المفسرون : تعرض لما يطعمه ، لما ناله من الجوع ، ولم يصرح بالسؤال ؛ وأنزلت هنا بمعنى تنزل .

وقال الزمخشري : وعدى باللام فقير ، لأنه ضمن معنى سائل وطالب .

ويحتمل أن يريد ، أي فقير من الدنيا لأجل ما أنزلت إليّ من خير الدين ، وهو النجاة من الظالمين ، لأنه كان عند فرعون في ملك وثروة ، قال ذلك رضا بالبدل السني وفرحاً به وشكراً له .

وقال الحسن : سأل الزيادة في العلم والحكمة .