قوله تعالى : { مسومةً } ، من نعت الحجارة ، وهي نصب على الحال ، ومعناها معلمة : قال ابن جريج : عليها سيما لا تشاكل حجارة الأرض . وقال قتادة وعكرمة : علها خطوط حمر على هيئة الجزع . وقال الحسن والسدي : كانت مختومة عليها أمثال الخواتيم . وقيل : مكتوب على كل حجر اسم من رمي به .
قوله تعالى : { عند ربك وما هي } ، يعني : تلك الحجارة ، { من الظالمين } ، أي : من مشركي مكة ، { ببعيد } ، وقال قتادة وعكرمة : يعني ظالمي هذه الأمة ، والله ما أجار الله منها ظالما بعد . وفي بعض الآثار : ما من ظالم إلا وهو بعرض حجر يسقط عليه من ساعة إلى ساعة . وروي : أن الحجر اتبع شذاذهم ومسافريهم أين كانوا في البلاد ، ودخل رجل منهم الحرم فكان الحجر معلقا في السماء أربعين يوما حتى خرج فأصابه فأهلكه .
وأما قوله : مُسَوّمَةً عِنْدَ رَبّكَ فإنه يقول : معلمة عند الله ، أعلمها الله ، والمسوّمة من نعت الحجارة ، ولذلك نصبت ونعت بها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : مُسَوّمَةً قال : معلمة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله . قال ابن جريج : مسوّمة لا تشاكل حجارة الأرض .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وعكرمة : مُسَوّمَةً قالا : مطوّقة بها نضح من حمرة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : مُسَوّمَةً عليها سيما معلومة حدّث بعض من رآها أنها حجارة مطوّقة عليها ، أو بها نضح من حمرة ليست كحجارتكم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، في قوله : مُسَوّمَةً قال : عليها سيما خطوط .
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : مُسَوّمَةً قال : المسوّمة : المختمة .
وأما قوله : وَما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ فإنه يقول تعالى ذكره متهدّدا مشركي قريش : وما هذه الحجارة التي أمطرتها على قوم لوط من مشركي قومك يا محمد ببعيد أن يمطروها إن لم يتوبوا من شِركهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا أبو عتاب الدلال سهل بن حماد ، قال : حدثنا شعبة ، قال : حدثنا أبان بن تغلب ، عن مجاهد ، في قوله : وَما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ ببَعِيدٍ قال : أن يصيبهم ما أصاب القوم .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ قال : يرهب بها من يشاء .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ يقول : ما أجار الله منها ظالما بعد قوم لوط .
حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وعكرمة : وَما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبِعِيدٍ يقول : لم يبرأ منها ظالم بعدهم .
حدثنا عليّ بن سهل ، قال : حدثنا ضَمْرة بن ربيعة ، عن ابن شَوْذَب ، عن قتادة ، في قوله : وَما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ قال : يعني ظالمي هذه الأمة ، قال : والله ما أجار منها ظالما بعد .
حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ يقول : من ظَلَمة العرب إن لم يتوبوا فيعذّبوا بها .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر الهذليّ بن عبد الله ، قال يقول : وَما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ من ظلمة أمتك ببعيد ، فلا يأمنها منهم ظالم .
وكان قَلْبُ الملائكةِ عالي أرض سدوم سافلها ، كما :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، قال : حدثنا الأعمش ، عن مجاهد ، قال : أخذ جبرئيل عليه السلام قوم لوط من سَرْحهم ودورهم ، حملهم بمواشيهم وأمتعتهم حتى سمع أهل السماء نُباح كلابهم ثم أكفأهم .
حدثنا به أبو كريب مرّة أخرى عن مجاهد ، قال : أدخل جبرئيل جناحه تحت الأرض السفلى من قوم لوط ، ثم أخذهم بالجناح الأيمن ، فأخذهم من سرحهم ومواشيهم ثم رفعها .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، كان يقول : فَلَمّا جاءَ أمْرُنا جَعَلْنا عالِيَهَا سافِلَها قال : لما أصبحوا غدا جبرئيل على قريتهم ، ففتقها من أركانها ، ثم أدخل جناحه ، ثم حملها على خوافي جناحه .
قال : حدثنا شبل ، قال : فحدثني هذا ابنُ أبي نجيح ، عن إبراهيم بن أبي بكر قال : ولم يسمعه ابن أبي نجيح عن مجاهد ، قال : فحملها على خوافي جناحه بما فيها ، ثم صعد بها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم ثم قلبها ، فكان أوّل ما سقط منها شرفها ، فذلك قول الله : جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وأمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجّيلٍ قال مجاهد : فلم يصب قوما ما أصابهم إن الله طمس على أعينهم ، ثم قلب قريتهم ، وأمطر عليهم حجارة من سِجيّل .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : بلغنا أن جبرئيل عليه السلام أخذ بعُروة القرية الوسطى ، ثم ألوى بها إلى السماء ، حتى سمع أهل السماء ضَواغي كلابهم ، ثم دمّر بعضها على بعض فجعل عاليها سافلها ثم أتبعهم الحجارة . قال قتادة : وبلغنا أنهم كانوا أربعة آلاف ألف .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ذُكِر لنا أن جبرئيل عليه السلام أخذ بعروتها الوسطى ، ثم ألوى بها إلى جوّ السماء حتى سمعت الملائكة ضواغي كلابهم ، ثم دمر بعضها على بعض ثم أتبع شُذّان القوم صخرا ، قال : وهي ثلاث قرى يقال لها سَدُوم ، وهي بين المدينة والشام . قال : وذُكر لنا أنه كان فيها أربعة آلاف ألف . وذُكر لنا أن إبراهيم عليه السلام كان يُشْرِف يقول : سدوم يوم مّا لك
حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : لما أصبحوا يعني قوم لوط نزل جبرئيل ، فاقتلع الأرض من سبع أرضين ، فحملها حتى بلغ السماء الدنيا حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم وأصواب ديوكهم ، ثم قلبها فقتلهم فذلك حين يقول : والمُؤْتَفِكَةَ أهْوَى المنقلبة حين أهوى بها جبرئيل الأرض فاقتلعها بجناحه ، فمن لم يمت حين أسقط الأرض أمطر الله عليه وهو تحت الأرض الحجارة ، ومن كان منهم شاذّا في الأرض وهو قول الله : فجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وأمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجّيلٍ ثم تتَبعَهم في القرى ، فكان الرجل يأتيه الحجر فيقتله ، وذلك قول الله تعالى : وأمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجّيلٍ .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر وأبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : بلغنا أن جبرئيل عليه السلام لما أصبح نشر جناحه ، فانتسف به أرضهم بما فيها من قصورها ودوابها وحجارتها وشجرها وجميع ما فيها ، فضمها في جناحه ، فحواها وطواها في جوف جناحه ، ثم صعد بها إلى السماء الدنيا ، حتى سمع سكان السماء أصوات الناس والكلاب ، وكانوا أربعة آلاف ألف ، ثم قلبها فأرسلها إلى الأرض منكوسة ، دمدم بعضَها على بعض ، فجعل عاليها سافلها ، ثم أتبعها حجارة من سجيل .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني ابن إسحاق ، قال : ثني محمد بن كعب القُرَظي ، قال : حُدثت أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال : «بَعَثَ الله جبرئيل عليه السلام إلى المُؤْتَفِكة قَرْيَةِ لُوطٍ عليه السلام التي كان لُوطٌ فيها ، فاحْتَمَلَها بجَنَاحِهِ ، ثم صَعِدَ بها حتى إنّ أهْلَ السّماء الدّنْيا لَيَسْمَعُونَ نُبَاحَ كِلابها وأصْوَاتَ دَجَاجِهَا ، ثم كَفَأَهَا على وَجْهِها ، ثم أتْبَعَها اللّهُ بالحِجَارَةِ ، يقول الله : جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وأمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجّيلٍ فأهْلَكَها الله وما حَوْلَها مِنَ المُؤْتَفِكَاتِ ، وكُنّ خَمْسَ قَرْيَاتٍ : صنعة ، وصعوة ، وعثرة ، ودوما ، وسدوم وسدوم هي القرية العظمى ، ونجّى الله لوطا ومَنْ معه من أهله ، إلا امْرَأَته كانَتْ فِيمَنَ هَلك » .