الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَۖ وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِبَعِيدٖ} (83)

" مسومة " أي معلمة ، من السيما وهي العلامة ، أي كان عليها أمثال الخواتيم . وقيل : مكتوب على كل حجر اسم من رمي به ، وكانت لا تشاكل حجارة الأرض . وقال الفراء : زعموا أنها كانت بحمرة وسواد في بياض ، فذلك تسويمها . وقال كعب : كانت معلمة ببياض وحمرة ، وقال الشاعر{[8821]} :

غلامٌ رماه الله بالحسن يافِعًا *** له سيميَاء لا تَشقُّ على البصر

و " مسومة " من نعت حجارة . و " منضود " من نعت " سجيل " . وفي قوله : " عند ربك " دليل على أنها ليست من حجارة الأرض ، قاله الحسن . " وما هي من الظالمين ببعيد " يعني قوم لوط ، أي لم تكن تخطئهم . وقال مجاهد : يرهب قريشا ، المعنى : ما الحجارة من ظالمي قومك يا محمد ببعيد . وقال قتادة وعكرمة : يعني ظالمي هذه الأمة ، والله ما أجار الله منها ظالما بعد . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( سيكون في آخر أمتي قوم يكتفي رجالهم بالرجال ونساؤهم بالنساء فإذا كان ذلك فارتقبوا عذاب قوم لوط أن يرسل الله عليهم حجارة من سجيل ) ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم " وما هي من الظالمين ببعيد " . وفي رواية عنه عليه السلام ( لا تذهب الليالي والأيام حتى تستحل هذه الأمة أدبار الرجال كما استحلوا أدبار النساء فتصيب طوائف من هذه الأمة حجارة من ربك ) . وقيل : المعنى ما هذه القرى من الظالمين ببعيد ، وهي بين الشام والمدينة . وجاء " ببعيد " مذكرا على معنى بمكان بعيد . وفي الحجارة التي أمطرت قولان : أحدهما . أنها أمطرت على المدن حين رفعها جبريل . الثاني : أنها أمطرت على من لم يكن في المدن من أهلها وكان خارجا عنها .


[8821]:البيت لأسيد بن عنقاء الفزاري يمدح عميلة حين قاسمه ماله، وبعده: كأن الثريا علقت فوق نحره *** وفي جيده الشعرى وفي وجهه القمر وقوله: (له سيمياء لا تشق على البصر) أي يفرح به من يراه.