اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَۖ وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِبَعِيدٖ} (83)

" مُسَوَّمَةً " نعتٌ ل " حِجَارة " ، وحينئذ يلزمُ تقدُّمُ الوصف غير الصَّريح على الصَّريح لأنَّ " مِنْ سِجِّيل " صفةٌ ل " حِجَارة " ، والأولى أن يجعل حالاً من " حِجَارة " ، وسوَّغ مجيئها من النكرة تخصُّص النكرة بالوصف .

والتَّسْويم : العلامةُ . قيل : عُلِّم على كُلِّ حجرٍ اسمُ من يرمي به وتقدَّم اشتقاقُه في آل عمران [ 14 ] في قوله : { والخيل المسومة } .

وقال الحسنُ والسديُّ : كان عليها أمثال الخواتيم{[18936]} . قال أبو صالحٍ : رأيتُ منها عند أم هانئ ، وهي حجارة فيها خطوط حمرٌ على هيئة الجَزْع . وقال ابنُ جريجٍ : كان عليها سيماء لا تشبه حجارة الأرض .

و " عِنْدَ " إمَّا منصوبٌ ب " مُسَوَّمَةً " ، وإمَّا بمحذوفٍ على أنَّها صفةٌ ل " مُسَوَّمَةً " .

وقله : " ومَا هِيَ " الظَّاهرُ عودُ هذا الضمير على القرى المهلكة . وقيل : يعودُ على الحِجَارة وهي أقربُ مذكور . وقيل : يعودُ على العُقوبةِ المفهومة من السِّياقِ ، ولَمْ يُؤنِّثْ " بِبَعيدٍ " إمَّا لأنَّهُ في الأصل نعتٌ لمكانٍ محذوف تقديره : وما هي بمكانٍ بعيدٍ بل هو قريبٌ ، والمرادُ به السَّماء أو القُرَى المهلكة ، أي : وما تلك القرى المهلكة من كفَّار مكة - ببعيدٍ ؛ لأنَّ تلك القرى في الشَّام ، وهي قريب من مكَّة ، وإمَّا لأنَّ العقوبة والعقاب واحدٌ ، وإمَّا لتأويل الحجارة بعذابٍ أو بشيءٍ بعيدٍ ، والمراد بالآية كفار مكة ، أي أنه تعالى يرميهم بهذه الحجارة .

قال أنس بن مالك سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عن هذا فقال : " مَا مِنْ ظالمٍ إلاَّ وهو بمعرض حجرِ يسقطُ عليه من ساعةٍ إلى ساعةٍ " {[18937]} .

وقال قتادةُ وعكرمةُ : يعنى ظالمي هذه الأمة ، والله ما أجار اللهُ منها ظالماً{[18938]} . روي : أنَّ الحجر اتَّبع شُذَّاذهم ومسافريهم أين كانوا في البلادِ ، ودخل رجلٌ منهم الحرم ، فكان الحجرُ معلقاً بين السَّماء والأرض أربعين يوماً حتى خرج ؛ فأصابه فأهلكه .


[18936]:ذكره الرازي في "تفسيره" (18/32).
[18937]:انظر المصدر السابق.
[18938]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (7/95) عن قتادة والسدي وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (3/626) عن قتادة وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم وأبي الشيخ.