قوله تعالى : { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً } . قال عكرمة :نزلت في رؤوس اليهود ، كتموا ما عهد الله إليهم في التوراة في شأن محمد صلى الله عليه وسلم وبدلوه ، وكتبوا بأيديهم غيره ، وحلفوا أنه من عند الله ، لئلا يفوتهم المآكل والرشا التي كانت لهم من أتباعهم .
أخبرنا عبد الواحد بن احمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله يوم القيامة وهو عليه غضبان " . فأنزل الله تعالى تصديق لذلك ( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلا ) إلى آخر الآية ، فدخل الأشعث بن قيس ، فقال : ما يحدثكم أبو عبد الرحمن ؟ فقالوا : كذا وكذا ، فقال : في أنزلت ، كانت لي بئر في أرض ابن عم لي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثته ، فقال : هات بينتك أو يمينه قلت : إذا يحلف عليها يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من حلف علي يمين صبر وهو فيها فاجر ، يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله يوم القيامة وهو عليه غضبان " .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي ، أنا محمد بن عيسى الجلودي ، أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنا مسلم بن الحجاج ، أنا قتيبة بن سعيد ، أنا أبو الأحوص ، عن سماك بن حرب عن علقمة بن وائل بن حجر عن أبية قال : جاء رجل من حضرموت ، ورجل من كندة إلى النبي ، فقال الحضرمي : يا رسول الله إن هذا قد غلبني على أرض لي كانت لأبي ، فقال الكندي : هي أرض في يدي أزرعها ، ليس له فيها حق ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي : ألك بينة ؟ قال : لا ، قال : فلك يمينه ، قال : يا رسول الله إن الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه ، قال :ليس لك منه إلا ذلك ، فانطلق ليحلف فلما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أدبروا " أما لئن حلف على ماله ليأكله ظلماً ليلقين الله وهو عنه معرض " ورواه عبد الملك بن عمير عن علقمة وقال : هو امرؤ القيس بن عابس الكندي ، وخصمه ربيعة ابن عبدان . وروى لما هم إن يحلف نزلت هذه الآية فامتنع امرؤ القيس أن يحلف وأقر لخصمه بحقه ودفعه إليه .
أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي ، أخبرنا زاهر بن احمد السرخسي ، أنا أبو مصعب عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن سعيد بن كعب عن أخيه عبد الله بن كعب بن مالك عن أبي أمامه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار قالوا : وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله ؟ قال : وإن كان قضيباً من أراك " قالها ثلاث مرات .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا عمرو بن محمد ، أنا هشيم بن محمد ، أنا العوام بن حوشب عن إبراهيم بن عبد الرحمن عن عبد الله بن أبي أوفى أن رجلاً أقام سلعة وهو في السوق فحلف بالله لقد أعطي بها ما لم يعط ليوقع فيها رجلاً من المسلمين ، فنزلت ( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً ) .
قوله تعالى : { إن الذين يشترون } أي يستبدلون ( بعهد الله ) وأراد الأمانة ، ( وأيمانهم ) الكاذبة ( ثمناً قليلاً ) أي شيئاً قليلاً من حطام الدنيا .
قوله تعالى : { أولئك لا خلاق لهم } لا نصيب لهم .
قوله تعالى : { في الآخرة } ونعيمها .
قوله تعالى : { ولا يكلمهم الله } كلاماً ينفعهم ويسرهم ، وقيل : هو بمعنى الغضب ، كما يقول الرجل : إني لا أكلم فلاناً إذا كان غضب عليه .
قوله تعالى : { ولا ينظر إليهم يوم القيامة } أي لا يرحمهم ، ولا يحسن إليهم ، ولا ينيلهم خيراً .
قوله تعالى : { ولا يزكيهم } أي لا يثني عليهم بالجميل ، ولا يطهرهم من الذنوب .
قوله تعالى : { ولهم عذاب أليم } .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي ، أنا محمد بن عيسى الجلودي ، أنا إبراهيم بن محمد سفيان ، أنا مسلم بن الحجاج ، أنا محمد بن جعفر عن شعبة عن علي بن مدرك عن أبي زرعة عن خرشة بن الحر عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
" ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم . قال قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات ، فقال أبو ذر : خابوا وخسروا ، من هم يا رسول الله ؟ قال : المسبل ، والمنان ، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب " في رواية المسبل إزاره .
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أنا أسيد أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي ، أنا أبو نصر محمد بن حمدويه المروزي ، أنا محمود بن آدم المروزي ، أنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاثة
لا يكلمهم الله يوم القيامة ، ولا ينظر إليهم ، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم : رجل حلف يميناً على مال مسلم فاقتطعه ، ورجل حلف على يمين بعد صلاة العصر أنه أعطي بسلعته أكثر مما أعطي وهو كاذب ، ورجل منع فضل ماله ، فإن الله تعالى يقول : اليوم أمنعك فضل ما لم تعمل يداك .
وإذا كان الأميون قد عرفوا بوفاء العهود وبتقوى الله وعدم التجرئ على الأموال المحترمة ، كانوا هم المحبوبين لله ، المتقين الذين أعدت لهم الجنة ، وكانوا أفضل خلق الله وأجلهم ، بخلاف الذين يقولون ليس علينا في الأميين سبيل ، فإنهم داخلون في قوله : { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا } ويدخل في ذلك كل من أخذ شيئا من الدنيا في مقابلة ما تركه من حق الله أو حق عباده ، وكذلك من حلف على يمين يقتطع بها مال معصوم فهو داخل في هذه الآية ، فهؤلاء { لا خلاق لهم في الآخرة } أي : لا نصيب لهم من الخير { ولا يكلمهم الله } يوم القيامة غضبا عليهم وسخطا ، لتقديمهم هوى أنفسهم على رضا ربهم { ولا يزكيهم } أي : يطهرهم من ذنوبهم ، ولا يزيل عيوبهم { ولهم عذاب أليم } أي : موجع للقلوب والأبدان ، وهو عذاب السخط والحجاب ، وعذاب جهنم ، نسأل الله العافية .
ثم توعد الله - تعالى - الذين يخونون العهود ، ويحلفون كذبا بالعذاب الأليم ، ونعى على فريق من اليهود تحريفهم للكلم عن مواضعه ، وأنذرهم بسوء المصير فقال - تعالى - : { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ . . . . } .
روى المفسرون فى سبب نزول قوله - تعالى - { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ } الآية روايات منها : ما أخرجه الشيخان عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من حلف على مال امرىء مسلم بغير حقه لقى الله وهو عليه غضبان " قال عبد الله : ثم قرأ علينا رسول الله مصداقه من كتاب الله ، { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ } إلخ .
وفى رواية قال : " من حلف على يمين ليقتطع بها مال امرىء مسلم لقى الله وهو عليه غضبان ، فأنزل الله - تعالى - تصديق ذلك { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ } . قال عبد الله : فدخل الأشعث بن قيس فقال : ما يحدثكم أبو عبد الرحمن قلنا : كذا وكذا . فقال : صدق . فى نزلت ، كان بينى وبين رجل خصومة فى بئر ، فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : شاهداك أو يمينه ؟ قلت : إنه إذاً يحلف ولا يبالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من حلف على يمين ليقتطع بها مال امرىء مسلم هو فيها فاجر لقى الله وهو عليه غضبان " ، ونزلت : { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ } .
وروى البخارى عن عبد الله بن أوفى أن رجلا أقام سلعة فى السوق فحلف بالله لقد أعطى بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلا من المسلمين ، فنزلت { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ } .
وقال الفخر الرازى : قال عكرمة إنها نزلت فى أحبار اليهود ، كتموا ما عهد الله إليهم فى التوراة من أمر محمد صلى الله عليه وسلم وكتبوا بأيديهم غيره ، وحلفوا بأنه من عند الله لئلا يفوتهم الرشا " .
هذه ثلاث روايات فى سبب نزول تلك الآية الكريمة ، وأرجحها رواية الشيخيين ، ولذا وجب الأخذ بها إلا أن نزول الآية فى قصة معينة لا يمنع شمول حكمها لكل ما يشبه هذه القصة أو الحادثة ، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب-كما يرى جمهور العلماء - .
فكل من حلف بالله كاذبا ، واشترى بعهده - سبحانه - ثمنا قليلا حقت عليه العقوبة التى بينتها الآية الكريمة . ويدخل تحت هذه العقوبة دخولا أوليا أولئك اليهود الذين خانوا عهد الله بإنكارهم لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم مع أنهم يعرفون صدقه معرفة جليلة .
والمراد بقوله { يَشْتَرُونَ } أى يستبدلون ، وذلك لان المشترى يأخذ شيئاً ويعطى شيئاً . فكل واحد من المعطى والمأخوذ ثمن للآخر . والمراد { بِعَهْدِ الله } كل ما يجب الوفاء به ، فيدخل فيه ما أوجبه الله - تعالى - على عباده من فرائض وتكاليف ، ومن إيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، كما يدخل فيه - أيضاً - ما أوجبه الله على أهل الكتاب من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم الذى يجدون نعته فى كتبهم ، ويعرفون صدقه كما يعرفون أبناءهم .
والباء فى قوله - تعالى - { بِعَهْدِ الله } داخلة على المتروك الذى تركوه وأخذوا فى مقابله الثمن القليل .
وقوله { وَأَيْمَانِهِمْ } معطوف على عهد الله .
والمراد بأيمانهم تلك : الأيمان الكاذبة التى يحلفونها ليؤكدوا ما يريدون تأكيده من أقوال أو أفعال .
والمراد بالثمن القليل : حظوظ الدنيا وشهواتها من نحو المال والمنافع الزائلة ، التى أخذوها نظير تركهم لعهود الله ، وحلفهم الكاذب .
وليس وصف الثمن بالقلة هنا من الأوصاف المخصصة للنكرات ، بل هو من الأوصاف اللازمة للثمن المحصل المحصل نظير خيانة عهود الله تحقيراً له ، إذ أنه لا يكون إلا قليلا وإن بلغ ما بلغ من أغراض الدنيا بجانب رضا الله والوفاء بعهوده .
وقوله { أولئك لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخرة } أى الذين يخونون عهد الله ويحلفون الأيمان الكاذبة في مقابل عرض من أعراض الدنيا ، لا نصيب لهم ولاحظ من نعيم الآخرة بسبب ما ارتكبوه من غدر وافتراء .
وقوله { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ الله } أى لا يكلمهم بما يسرهم بل يكلمهم بما يسوؤهم ويخزيهم يوم القيامة بسبب أعمالهم السيئة .
أو أن عدم كلام الله - تعالى -لهم : كناية عن عدم محبته لهم ، لأن من عادة المحب أن يقبل على حبيبه ويتحدث إليه ، أما المبغض لشىء ، فإنه ينصرف عنه .
وإلى هذا المعنى ذهب الإمام الرازى فقد قال ما ملخصه : " وقوله - تعالى - { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ الله } فيه سؤال وهو أنه - تعالى - قال : { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } فكيف الجمع بين الآية التى معنا وبين قوله { لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } والجواب : أن المقصود من كل هذه الكلمات : بيان شدة سخط الله عليهم ، لأن من منع غيره كلامه ، فإنما ذلك بسخط عليه ، وإذا سخط إنسان على آخر قال له : لا أكلمك ، وقد يأمر بحجبه عنه ويقول : لا ارى وجه فلان ، وإذا جرى ذكره لم يذكره بالجميل ، فثبت أن الآية كناية عن شدة الغضب نعوذ بالله منه . وهذا هو الجواب الصحيح " .
وقوله { وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ } أى لا يعطف عليهم ولا يرحمهم ولا يحسن إليهم ، وذلك كما يقول القائل لغيره : انظر إلي ، يريد : ارحمني واعطف علي .
ويقال : فلان لا ينظر إلى فلان ، والمراد من ذلك نفى الإحسان إليه وترك الاعتداد به ، فقد جرت العادة بأن من اعتد بإنسان وعطف عليه التفت إليه .
قالوا : فلهذا السبب صار المراد بعدم نظر الله - تعالى - إلى هؤلاء الخائنين عبارة عن ترك العطف عليهم والإحسان إليهم والرحمة بهم .
ولا يجوز أن يكون المراد من عدم النظر إليهم ، وعدم رؤيتهم ، لأنه - سبحانه - يراهم كما يرى غيرهم من خلقه .
وقوله - تعالى - { وَلاَ يُزَكِّيهِمْ } أى أنه - سبحانه - لا يطهرهم من دنس ذنوبهم وأوزارهم بالمغفرة ، بل يعاقبهم عليها . أو أنه - سبحانه - لا يثنى عليهم كما يثنى على الصالحين من عباده ، بل يسخط عليهم وينتقم منهم جزاء غدرهم .
ثم ختم - سبحانه - الآية ببيان النتيجة المترتبة على هذا الغضب منه عليهم ، فقال : { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .
أى ولهم عذاب مؤلم موجع بسبب ما ارتكبوه من آثام وسيئات .
فانت ترى أن الآية الكريمة قد توعدت هؤلاء الذين يشترون بعهد الله وايمانهم ثمناً قليلا بأنهم لاحظ لهم من نعيم الآخرة ، وأنهم ليسوا أهلا لرضا الله ورحمته وإحسانه ، وأنهم سينالون العذاب المؤلم الموجع بسبب ما قدمت أيديهم .
مناسبة هذه الآية لما قبلها أنّ في خيانة الأمانة إبطالاً للعهد ، وللحلف الذي بينهم ، وبين المسلمين ، وقريشٍ . والكلامُ استئناف قصد منه ذكر الخُلق الجامع لشتات مساوىء أهل الكتاب من اليهود ، دعا إليه قوله وَدّت طائفة من أهل الكتاب وما بعده .
وقد جرت أمثال هذه الأوصاف على اليهود مفرّقة في سورة البقرة ( 40 ) : { أوفوا بعهدي } ، { ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً } [ البقرة : 41 ] . { ماله في الآخرة من خلاق } [ البقرة : 102 ] . { ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزيكهم } [ البرة : 174 ] . فعلمنا أنهم المراد بذلك هنا . وقد بينا هنالك وجه تسمية دينهم بالعهد وبالميثاق ، في مواضع ، لأنّ موسى عاهدهم على العمل به ، وبينا معاني هذه الأوصاف والأخبار .
ومعنى { ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة } غَضَبُه عليهم إذ قد شاع نفي الكلام في الكناية عن الغضب ، وشاع استعمال النظر في الإقبال والعناية ، ونفي النظر في الغَضب فالنظر المنفي هنا نظر خاص . وهاتان الكنايتان يجوز معهما إرادة المعنى الحقيقي .
وقوله : { ولا يزكيهم } أي لا يطهرهم من الذنوب ولا يقلعون عن آثامهم ، لأنّ من بلغ من رقّة الديانة إلى حدّ أن يشتري بعهد الله وأيمانه ثمناً قليلاً ، فقد بلغ الغَاية القصوى في الجُرْأة على الله ، فكيف يُرجى له صلاح بعد ذلك ، ويحتمل أن يكون المعنى ولا يُنْميهم أي لا يكثر حظوظهم في الخيْرات .
وفي مجيء هذا الوعيد ، عقب الصلة ، وهي يشترون بعهد الله الآية ، إيذان بأنّ من شابههم في هذه الصفات فهو لاَحِقٌ بهم ، حتى ظنّ بعض السلف أنّ هذه الآية نزلت فيمن حلَف يميناً باطلة ، وكلّ يظنّ أنها نزلت فيما يَعرفه من قصةِ يَمين فاجرة ، ففي « البخاري » ، عن أبي وائِل ، عن عبد الله بن مسعود ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من حلف يمين صبر ليقتطع بها مال امرىء مسلم لقي الله وهو عليه غضبان " فأنزل الله تصديق ذلك : { إنّ الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم } الآية فدخل الأشعث بن قيس وقال : « ما يحدثكم أبو عبد الرحمان » قلنا : كذا وكذا . قال : « فيّ أنزلت كانت لي بئر في أرض ابن عم لي » فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بينتك أو يمينه قلت : إذن يحلف فقال رسول الله : من حَلف على يمين صبر الحديث .
وفي « البخاري » ، عن عبد الله بن أبي أوفى : أنّ رجلاً أقام سلعة في السوق فحلف لقد أعطي بها ما لم يُعْطَه ليُوقع فيها رجلاً من المسلمين فنزلت : { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً } الآية .
وفيه عن ابن عباس أنه قرأ هاته الآية في قصّة وجبت فيها يمين لِردّ دعوى .