لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشۡتَرُونَ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ وَأَيۡمَٰنِهِمۡ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَـٰٓئِكَ لَا خَلَٰقَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيۡهِمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (77)

قوله عز وجل : { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً } قال عكرمة نزلت هذه الآية في أحبار اليهود ورؤسائهم أبي رافع وكنانة بن أبي الحقيق وكعب بن الأشرف وحيي بن أخطب الذين كتموا ما عهد الله إليهم في التوراة في شأن محمد صلى الله عليه وسلم فبدلوه وكتبوا بأيديهم غيره وحلفوا أنه من عند الله لئلا تفوتهم الرشا والمآكل التي كانوا يأخذونها من أتباعهم وسفلتهم ، وقيل نزلت في ادعاء اليهود الذين قالوا : إنه ليس علينا في الأميين سبيل وكتبوا ذلك بأيديهم وحلفوا أنه من عند الله ، وقيل نزلت في الأشعث بن قيس وخصم له .

( ق ) عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه لقي الله وهو عليه غضبان " قال عبد الله : ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب الله عز وجل : { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً } إلى آخر الآية وفي رواية قال : " من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان " فأنزل الله تصديق ذلك { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً } الآية . فدخل الأشعث بن قيس الكندي فقال : ما يحدثكم أبو عبد الرحمن قلنا كذا وكذا فقال : صدق ، فيَّ نزلت ، كان بيني وبين رجل خصومة في بئر فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " شاهداك أو يمينه " قلت إنه إذا يحلف لا يبالي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان " . ونزلت { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا } إلى آخر الآية . وأخرجه الترمذي وأبو داود وقالا : إن الحكومة كانت بين الأشعث وبين رجل يهودي . وقيل نزلت هذه الآية في رجل أقام سلعة في السوق فحلف لقد أعطى بها ما لم يعطه .

( خ ) عن عبد الله بن أبي أوفى : " أن رجلا أقام سلعة وهو في السوق فحلف بالله لقد أعطى بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلا من المسلمين ، فنزلت { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا } إلى آخر الآية . وقيل الأقرب حمل الآية على الكل فقوله تعالى : { إن الذين يشترون بعهد الله } يدخل فيه جميع ما أمر الله به ويدخل فيه العهود والمواثيق المأخوذة من جهة الرسل ويدخل فيه ما يلزم الرجل نفسه من عهد وميثاق فكل ذلك من عهد الله الذي يجب الوفاء به . ومعنى إن الذين يشترون يستبدلون بعهد الله يعني الأمانة وأيمانهم يعني الكاذبة ثمنا قليلا يعني شيئا يسيرا من حطام الدنيا ، وذلك لأن المشتري يأخذ شيئا ويعطي شيئا فكل واحد من يعطي ، والمأخوذ ثمنا للآخر فهذا معنى الشراء { أولئك } يعني من هذه صفتهم { لا خلاق لهم في الآخرة } أي لا نصيب لهم في الآخرة ونعيمها وجميع منافعها { ولا يكلمهم الله } يعني كلاما يسرهم به أو ينفعهم . وقيل هو بمعنى الغضب { ولا ينظر إليهم يوم القيامة } أي لا يرحمهم ولا يحسن إليهم ولا ينيلهم خيرا { ولا يزكيهم } أي ولا يطهرهم من الذنوب ولا يثني عليهم بجميل { ولهم عذاب أليم } يعني في الآخرة .

( ق ) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : رجل حلف على سلعة لقد أعطي بها أكثر مما أعطي وهو كاذب ، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال امرئ مسلم ، ورجل منع فضل ماله فيقول الله له اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك " .

( م ) عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قال : فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات فقلت : خابوا وخسروا من هم يا رسول الله ؟ قال المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب " ، وللنسائي " المنان بما أعطى والمسبل إزاره والمنفق سلعته بالحلف الكاذب " .

( م ) عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار فقالوا : يا رسول الله وإن كان شيئا يسيرا قال وإن كان قضيبا من أراك " .