البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشۡتَرُونَ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ وَأَيۡمَٰنِهِمۡ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَـٰٓئِكَ لَا خَلَٰقَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيۡهِمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (77)

{ إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً } نزلت في أحبار اليهود : أبي رافع ، وكنانة بن أبي الحقيق ، وكعب بن الأشرف ، وحيي بن أخطب ، قاله عكرمة .

أو : فيمن حرّف نعته صلى الله عليه وسلم من اليهود ، قاله الحسن .

أو : في خصومة الأشعث بن قيس مع يهودي ، أو مع بعض قرابته .

أو : في رجل حلف على سلعة مساءً لأعطي بها أول النهار كذا ، يميناً كاذبة ، قاله مجاهد ، والشعبي .

والإضافة في { بعهد الله } إما للفاعل وإما للمفعول ، أي : بعهد الله إياه من الإيمان بالرسول الذي بعث مصدّقاً لما معهم ، وبأيمانهم التي حلفوها لنؤمنن به ولننصرنه ، أو بعهد الله .

والاشتراء هنا مجاز ، والثمن القليل : متاع الدنيا من الرشى والتراؤس ونحو ذلك ، والظاهر أنها في أهل الكتاب لما احتف بها من الآيات التي قبلها والآيات التي بعدها .

{ أولئك لا خلاق لهم في الآخرة } أي : لا نصيب لهم في الآخرة ، اعتاضوا بالقليل الفاني عن النعيم الباقي ، ونعني : لا نصيب له من الخير ، نفي نصيب الخير عنه .

{ ولا يكلمهم الله } قال الطبري : أي بما يسرهم وقال غيره : لا يكلمهم جملة وإنما تحاسبهم الملائكة ، قاله الزّجاج .

وقال قوم : هو عبارة عن الغضب ، أي : لا يحفل بهم ، ولا يرضى عنهم ، وقاله ابن بحر .

وقد تقدّم في البقرة شرح : { ولا يكلمهم الله }

{ ولا ينظر إليهم يوم القيامة } قال الزمخشري : ولا ينظر إليهم مجاز عن الاستهانة بهم والسخط عليهم ، تقول : فلان لا ينظر إلى فلان ، يريد نفي اعتداده به ، واحسانه إليه .

فإن قلت أي فرق بين استعماله فيمن يجوز عليه النظر وفيمن لا يجوز عليه .

قلت أصله فيمن يجوز عليه النظر الكناية ، لأن من اعتد بالإنسان التفت إليه وأعاره نظر عينيه ، ثم كثر حتى صار عبارة عن الاعتداد والإحسان ، وإن لم يكن ثَمّ نظر ، ثم جاء فيمن لا يجوز عليه النظر مجرداً لمعنى الإحسان مجازاً عما وقع كناية عنه فيمن يجوز عليه النظر .

انتهى كلامه .

وقال غيره : ولا ينظر أي : لا يرحم قال :

فقلت انظري يا أحسن الناس كلهم *** لذي غلة صديان قد شفه الوجدُ

{ ولا يزكيهم } ولا يثني عليهم أو لا ينمي أعمالهم ، فهي تنمية لهم ، أو لا يطهرهم من الذنوب .

أقوال ثلاثة ، وتقدّم شرحه في البقرة .

{ ولهم عذاب أليم } تقدّم شرحه أيضاً .

/خ82