الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشۡتَرُونَ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ وَأَيۡمَٰنِهِمۡ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَـٰٓئِكَ لَا خَلَٰقَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيۡهِمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (77)

قوله : ( إِنَّ الذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ ) . . . الآية [ 77 ] .

معنى الآية : إن الذين يستبدلون( {[10261]} ) بعهد الله الذي عهد إليهم في كتابهم وبإيمانهم الكاذب عوضاً قليلاً أي : خسيساً من عرض الدنيا( {[10262]} ) ، ( لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ ) أي : لا حظ لهم فيها أي : لا نصيب( {[10263]} ) ( وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ ) معناه : لا يكلمهم بما يسرهم .

وقيل : لا يسمعهم كلامه بلا سفير( {[10264]} ) .

وقيل معناه : غضب عليهم( {[10265]} ) كما يقال : فلان لا يكلم فلاناً أي : هو غاضب عليه .

( وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ) ، أي لا يعطف عليهم بخير ، كما يقال : انظر إلي نظر الله إليك أي : اعطف علي عطف الله عليك( {[10266]} ) .

ما زالت هذه الآية في أحبار اليهود منهم كعب بن الأشرف وحيي( {[10267]} ) بن الأخطب( {[10268]} ) .

وقيل : إنها نزلت في الأشعت بن قيس( {[10269]} ) وخصم له اختصما في أرض ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لليهودي( {[10270]} ) : احلف ، فقال الأشعت : إذن يحلف فيذهب حقي ، فأنزل الله الآية ، وقال النبي عليه السلام( {[10271]} ) بعقب ذلك : " من حلف بيمين كاذبة ليقطع بها حق أخيه لقي الله عز وجل( {[10272]} ) ( وهو عليه غضبان ) " ( {[10273]} ) .

وروي عن مجاهد أنه قال : نزلت في رجل أقام سلعة في أول النهار ، فلما كان آخره جاء رجل يساومه فيها ، فحلف لقد منعها أول النهار من كذا وكذا ، ولولا المساء ما باعها بهذا( {[10274]} ) العطاء فأنزل الله الآية( {[10275]} ) .

وقال ابن المسيب( {[10276]} ) : اليمين الفاجرة من الكبائر وتلا هذه الآية( {[10277]} ) .

وقال( {[10278]} ) قتادة : من حلف على يمين فاجرة ليقتطع بها حق أخيه فليتبوأ مقعده من النار ، ثم تلا هذه الآية( {[10279]} ) .

وقال ابن مسعود : كنا نرى ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من الذنب الذي لا يغفر : يمين الصبر إذا فجر فيها صاحبها( {[10280]} ) .

وعن مجاهد أنه قال : هو الرجل يقول أعطيت بسلعتي كذا وكذا كذباً( {[10281]} ) .

وقيل( {[10282]} ) : إنها نزلت في قوم من اليهود ضاقت عليهم معاشهم ، فخرجوا إلى المدينة ، فلما رجعوا رؤساءهم سألوهم عن النبي عليه السلام( {[10283]} ) فقالوا : هو الصادق لا شك فيه ، فقال الرؤساء : الآن حرمْتُم أنفسَكم بِرَّنَا ونَفْعَنَا . فانقلب القوم ، إلى منازلهم ، وأخرجوا كتبهم فحكوا( {[10284]} ) صفة النبي صلى الله عليه وسلم وأثبتوا صفة غيره ، وراحوا إلى رؤسائهم فقالوا : إنا فتحنا كتبنا فرأينا الأمر فيها على ما تصفون في محمد صلى الله عليه وسلم فنفعوهم( {[10285]} ) وأعطوهم ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية فيهم( {[10286]} ) .

وروى( {[10287]} ) ابن مسعود بأن النبي عليه السلام( {[10288]} ) قال " من حلف بيمين صبر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان ، فأنزل الله تصديق ذلك ( إِنَّ الذِينَ يَشْتَرُونَ ) الآية( {[10289]} ) .


[10261]:- (د): يتبدلون.
[10262]:- انظر: جامع البيان 3/200 والدر المنثور 2/244.
[10263]:- انظر: المفردات 158، واللسان (خلق) 10/85.
[10264]:- قال النحاس: لا يكلمهم على الحقيقة، ويكلمهم مجازاً بأن يأمر الملائكة أن تحاسبهم. انظر: إعراب النحاس 1/346، وقيل: المعنى على المجاز ولا يكلمهم كلام راض عنهم، وإنما كلام موبخ لهم ساخط عليهم. انظر: الكشاف 1/439 والتفسير الكبير 8/116. وقال قوم: هو عبارة عن الغضب أي لا يحفل بهم ولا يرضى عنهم. انظر: البحر 1/502.
[10265]:- انظر: معاني الزجاج 1/434.
[10266]:- إعراب النحاس 1/346.
[10267]:- كعب بن الأشرف الطائي توفي 3 هـ أدرك الإسلام ولم يسلم، وأكثر من هجو الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأمر النبي بقتله. انظر: طبقات ابن سلام 1/282 والمرزياني 343.
[10268]:- حيي بن أخطب يهودي أدرك الإسلام ولم يسلم قتل يوم قريظة، انظر: سيرة ابن هشام 1/546 و2/33، والأعلام 2/292.
[10269]:- الأشعت بن قيس بن معديكرب الكندي توفي 40 هـ أمير كِندة أسلم ثم امتنع عن الزكاة. انظر: أسد الغابة 158.
[10270]:- (د): اليهود.
[10271]:- (ج): صلى الله عليه وسلم.
[10272]:- ساقط من (ج).
[10273]:- خرجه البخاري في كتاب التفسير 5/166، ومسلم في كتاب الأيمان 1/85 والترمذي 4/292.
[10274]:- (د): لهذا.
[10275]:- انظر: صحيح البخاري 5/166 وانظر: جامع البيان 3/322 والدر المنثور 2/245.
[10276]:- هو أبو محمد سعيد بن المسيب المخزومي توفي 94 هـ، عالم التابعين في الفقه والتفسير والحديث، انظر: تاريخ الثقات 188. وطبقات الفقهاء 39. والتهذيب 4/84.
[10277]:- انظر: جامع البيان 3/323 والدر المنثور 2/248.
[10278]:- (أ): وقيل قتادة.
[10279]:- انظر: جامع البيان 3/222-223 والدر المنثور 2/245.
[10280]:- انظر: المصدر السابق.
[10281]:- انظر: المصدر السابق.
[10282]:- (أ): وقال.
[10283]:- (ج): صلى الله عليه وسلم.
[10284]:- قال المدقق "الحك": أن يمحى الشيء حتى لا يبقى له أثر. انظر: المحيط في اللغة 1/207 وحكَّ فيه أي أثر فيه. جمهرة اللغة 1/27 والحك: إمرار جرم على جرم صكاً. القاموس المحيط 3/23 وتحاك الجرمان حك أحدهما الآخر، المحكم والمحيط الأعظم 1/371.
[10285]:- (د): فينفعوه.
[10286]:- انظر: أسباب النزول.
[10287]:- حق هذا الحديث التقديم.
[10288]:- (ج): صلى الله عليه وسلم.
[10289]:- تقدم تخريجه.