النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشۡتَرُونَ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ وَأَيۡمَٰنِهِمۡ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَـٰٓئِكَ لَا خَلَٰقَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيۡهِمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (77)

قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيمَانِهِم ثَمَناً قَلِيلاً } وفي العهد قولان :

أحدهما : ما أوجب الله تعالى على الإنسان من طاعته وكَفَّه عن معصيته .

والثاني : ما في عقل الإنسان من الزجر عن الباطل والانقياد إلى الحق .

{ أَولَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُم فِي الآخِرةِ } . وفي أصل الخلاق قولان :

أحدهما : أن أصله من الخَلق بفتح الخاء وهو النفس ، وتقدير الكلام لا نصيب لهم .

والثاني : أن أصله الخُلق بضم الخاء لأنه نصيب مما يوجبه الخُلُق الكريم .

{ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ } فيه قولان :

أحدهما : لا يكلمهم الله بما يسرهم ، لكن يكلمهم بما يسوؤهم وقت الحساب لأنه قال : { ثُمَّ إِنَّ عَلَينَا حِسَابَهُم } .

والثاني : لا يكلمهم أصلاً ولكن يرد حسابهم إلى الملائكة .

{ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيهِم يَومَ الْقِيَامَةِ } فيه قولان :

أحدهما : لا يراهم{[553]} .

والثاني : لا يَمِنُ عليهم .

{ وَلاَ يُزَكِّيهِم } أي لا يقضي بزكاتهم{[554]} .

واختلف أهل التفسير في سبب نزول هذه الآية على ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنها نزلت في قوم من أحبار اليهود : أبي رافع وكنانة بن أبي الحقيق ، وكعب بن الأشرف ، وحيي بن أخطب كتبوا كتاباً بأيديهم ، ثم حلفوا أنه من عند الله فيما ادعوا به ليس عليهم في الأميين سبيل ، وهو قول الحسن ، وعكرمة .

والثاني : أنها نزلت في الأشعث{[555]} وخصيم له تنازعاً في أرض ، فقام ليحلف ، فنزلت هذه الآية ، فنكل الأشعث واعترف بالحق .

والثالث : أنها نزلت في رجل حلف يميناً فاجرة في تنفيق سلعته في البيع ، وهذا قول عامر{[556]} ، ومجاهد .


[553]:- لا يراهم: هكذا بالأصول وهو بعيد ولعل الصواب لا يرحمهم كما ورد في كتب التفسير.
[554]:- قال الزجاج: لا يثنى عليهم خيرا ولا يسميهم أزكياء.
[555]:- هو الأشعت بن قيس وكان خصيمه من اليهود، والذي في تفسير القرطبي أن السدي أمره الرسول صلى الله عليه وسلم بالحلف هو اليهودي وليس الأشعث. أنظر تفسير القرطبي جـ4 ص 119.
[556]:- هو عامر الشعبي.