قال : { إن الذين يشترون } الآية . واختلفت الروايات في سبب النزول فمنهم من خصها باليهود لأن الآيات السابقة فيهم وكذا اللاحقة ، ومنهم من خصها بغيرهم والروايات هذه . قال عكرمة : نزلت في أبي رافع ولبابة بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وغيرهم من رؤوس اليهود . كتموا ما عهد الله إليهم في التوراة في شأن محمد صلى الله عليه وسلم وبدلوه وكتبوا بأيديهم غيره ، وحلفوا أنه من عند الله كيلا يفوتهم الرشا والمآكل التي كانت لهم على أتباعهم .
وقال الكلبي : إن ناساً من علماء اليهود أولي فاقة أصابتهم سنة فاقتحموا إلى كعب بن الأشرف بالمدينة ، فسألهم كعب : هل تعلمون أن هذا الرجل رسول الله في كتابكم ؟ قالوا : نعم ، وما تعلمه أنت ؟ قال : لا . قالوا : فإنا نشهد أنه عبد الله ورسوله . قال كعب : لقد حرمكم الله خيراً كثيراً . لقد قدمتم عليّ وأنا أريد أن أميركم وأكسو عيالكم فحرمكم الله وحرم عيالكم . فقالوا : فإنه شبه لنا فرويداً حتى نلقاه . فانطلقوا وكتبوا صفة سوى صفته ثم انتهوا إلى رسول الله فكلموه وسألوه ثم رجعوا فقالوا : لقد كنا نرى أنه رسول الله فلما أتيناه إذا هو ليس بالنعت الذي نعت لنا ، ووجدنا نعته مخالفاً للذي عندنا . وأخرجوا الذين كتبوا فنظر إليه كعب ففرح وأمارهم وأنفق عليهم فنزلت . وعن الأشعث بن قيس :
" خاصمت رجلاً في بئر فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : شاهداك أو يمينه . فقلت : إذاً يحلف ولا يبالي . فقال صلى الله عليه وسلم : " من حلف عليّ يمين يستحق بها مالاً هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان " " ونزلت الآية على وفقه . وقيل : نزلت في رجل أقام سلعة في السوق فحلف لقد أعطى بها ما لم يعطه . ومعنى يشترون يستبدلون ، وعهود الله مواثيقه ، واليمين هي التي يؤكد الإنسان بها خبره من وعد أو وعيد أو إنكار أو إقرار بذكر اسم الله تعالى أو صفة من صفاته أو ما يجري مجراه . والثمن القليل متاع الدنيا من المال والجاه ونحوهما . ثم إنه تعالى رتب على الشراء بعهد الله وبأيمانهم ثمناً قليلاً خمسة أنواع من الجزاء فقوله : { أولئك لا خلاق لهم في الآخرة } إشارة إلى أنه لا نصيب لهم في منافعها ونعيمها . وقوله : { ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم } إشارة إلى حرمانهم عما عند الله من الكرامات والقرب . وقوله : { ولهم عذاب أليم } إشارة إلى ما يحصل لهم هنالك من صنوف الآلام وضروب الأهوال . قال المحققون ومنهم القفال : المقصود من هذه الكلمات بيان شدة سخط الله عليهم لأن من منع كلامه في الدنيا غيره فإنما ذلك لسخطه عليه ، وقد يأمره بحجبه عنه ويقول : لا أكلمك ولا أرى وجهك . وإذا جرى ذكره لم يذكره بالجميل . قال في الكشاف : لا ينظر إليهم مجاز عن الاستهانة بهم والسخط عليهم . تقول : فلان لا ينظر إلى فلان تريد نفي اعتداده به . وأصله فيمن يجوز عليه النظر الكناية لأن من اعتد بالإنسان التفت إليه وأعاره نظر عينيه ، ثم كثر حتى صار عبارة عن الاعتداد والإحسان وإن لم يكن ثمة نظر . ثم جاء فيمن لا يجوز عليه النظر مجرداً لمعنى الإحسان مجازاً عما وقع كناية عنه فيمن يجوز عليه النظر .
قلت : لعله أراد بهذا المجاز الاستعارة كأنه شبه هذا النظر بذاك النظر ، ثم حذف المشبه وأداة التشبيه فبقي استعارة . وفي التفسير الكبير : لا يجوز أن يكون المراد من هذا النظر الرؤية لأنه تعالى يراهم كما يرى غيرهم ، ولا يجوز أن يكون المراد من النظر تقليب الحدقة إلى جانب المرئي التماساً لرؤيته لأن هذا من صفات الأجسام وهو تعالى منزه عن ذلك ، وقد احتج المخالف بهذه الآية على أن النظر المقرون بحرف " إلى " ليس بمعنى الرؤية وإلا لزم من هذه الآية أن لا يكون الله رائياً وذلك باطل . قلت : يجوز أن يراد بهذا النظر النظر المعهود وهو الذي سيخص الله تعالى به أولياءه من أنه ينظر إليهم وينظرون إليه { وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة }[ القيامة : 22 ، 23 ] وعلى هذا جاز أن يكون النظر بمعنى الرؤية لأنه لا يلزم من نفي رؤية يراه العباد أيضاً وقتئذٍ نفي رؤية لا يرونه حينئذ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.