بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشۡتَرُونَ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ وَأَيۡمَٰنِهِمۡ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَـٰٓئِكَ لَا خَلَٰقَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيۡهِمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (77)

{ إِنَّ الذين يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله } قال ابن عباس في رواية أبي صالح : نزلت في شأن عبدان بن الأشوع ، وامرئ القيس بن عابس ، ادّعى أحدهما على صاحبه حقاً ، فأراد المدَّعى عليه أن يحلف بالكذب ، فنزلت هذه الآية . وقال مقاتل : نزلت في شأن رؤساء اليهود ، كتموا نعت محمد صلى الله عليه وسلم ، لأجل منافع الدنيا . ويقال : إن جماعة من علماء اليهود ، قَدِموا المدينة من الشام ليُسلموا ، فلقيهم كَعْب بن الأشرف فقال لهم : تعلمون أنه نبي ؟ قالوا : نعم . فقال لهم كعب : حَرَّمْتُمْ على أنفسكم خيراً كثيراً ، لأني كنت أردت أن أَبْعث لكم الهدايا . فقالوا : حتى ننظر في ذلك ، فنظروا ثم رجعوا . فقالوا : ليس هو الذي وجدنا صفته ، فأخذ منهم إقرارهم وخطوطهم وأَيْمَانهم على ذلك ، ثم بعث إلى كل واحد منهم ثمانية أذرع من الكرباس ، وخمسة أصوع من الشعير ، فنزل في شأنهم { إِنَّ الذين يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وأيمانهم ثَمَنًا قَلِيًلا } أي عرضاً يسيراً { أُوْلَئِكَ لاَ خلاق لَهُمْ في الآخرة } أي لا نصيب لهم في الآخرة { وَلاَ يُكَلّمُهُمُ الله } وقال الزجاج : قوله { وَلاَ يُكَلّمُهُمُ الله } ، يحتمل معنيين ؛ أحدهما إسماع كلام الله تعالى أولياءه ، خصوصاً لهم ، كما كلم موسى خصوصية له دون البشر ، ويجوز أن يكون تأويله للغضب عليهم ، كما يقال : فلان لا يكلم فلاناً ، ولا ينظر إليه ، أي هو غضبان عليه ، وإن كان هو يكلمه بكلام السوء ، فذلك معنى قوله لا يكلمهم ، أي بكلام الرحمة { وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القيامة } بالرحمة { وَلاَ يُزَكّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .