قوله تعالى : { وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة } ، يعني : المرقوسية ، وفيه إضمار معناه : ثالث ثلاثة الآلهة ، لأنهم يقولون : الإلهية مشتركة بين الله تعالى ، ومريم ، وعيسى ، وكل واحد من هؤلاء إله ، فهم ثلاثة آلهة ، يبين هذا قوله عز وجل للمسيح : { أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله } ؟ [ المائدة : 116 ] ، ومن قال : إن الله ثالث ثلاثة لم يرد به الإلهية لا يكفر ، فإن الله يقول : { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم } [ المجادلة : 7 ] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه : ( ما ظنك باثنين الله ثالثهما ) . ثم قال رداً عليهم :
قوله تعالى : { وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن } . ليصيبن . قوله تعالى : { الذين كفروا منهم عذاب أليم } . خص الذين كفروا لعلمه أن بعضهم يؤمنون .
{ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ْ } وهذا من أقوال النصارى المنصورة عندهم ، زعموا أن الله ثالث ثلاثة : الله ، وعيسى ، ومريم ، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا .
وهذا أكبر دليل على قلة عقول النصارى ، كيف قبلوا هذه المقالة الشنعاء ، والعقيدة القبيحة ؟ ! كيف اشتبه عليهم الخالق بالمخلوقين{[273]} ؟ ! كيف خفي عليهم رب العالمين ؟ ! قال تعالى -رادا عليهم وعلى أشباههم - : { وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ ْ } متصف بكل صفة كمال ، منزه عن كل نقص ، منفرد بالخلق والتدبير ، ما بالخلق من نعمة إلا منه . فكيف يجعل معه إله غيره ؟ " تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا .
ثم توعدهم بقوله : { وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ْ }
وقوله - تعالى - { لَّقَدْ كَفَرَ الذين قالوا إِنَّ الله ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ } بيان لما قالته طائفة أخرى من طوائف النصارى الذين يتفرقون في العقائد والنحل ، ويتجمعون على الكفر والضلال ، فهم شيع شتى ، وفرق متنابذة ، كل شيعة منهم تكفر الأخرى وتعارضها في معتقداتها .
قال الفخر الرازي ما ملخصه : في تفسير قول النصارى { إِنَّ الله ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ } طريقان : .
الأول : أنهم أرادوا بذلك أن الله مريم وعيسى آلهة ثلاثة . والذي يؤكد ذلك قوله - تعالى - للمسيح { أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني وَأُمِّيَ إلهين مِن دُونِ الله } فقوله : { ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ } أي : أحد ثلاثة آلهة . أو واحد من ثلاثة آلهة .
والطريق الثاني : أن المتكلمين حكوا عن النصارى أنهم يقولون : جوهر واحد ، ثلاثة أٌانيم : أب ، وابن وروح القدس وهذه الثلاثة إله واحد ، كما أن الشمس اسم يتناول القرص والشعاع والحرارة . وعنوا بالأب الذات . وبالابن الكلمة .
وبالروح الحياة . وأثبتوا الذات والكلمة والحياة وقالوا : إن الكلمة التي هي كلام الله اختلطت بجسد عيسى اخلتاط الماء بالخمر أو اللبن فزعموا أن الأب إله ، والابن إله ، والروح إله ، والكل إله واحد .
ثم قال الإِمام الرازي : واعلم أن هذا معلوم البطلان ببديهة العقل . فإن الثلاثة لا تكون واحداً والواحد لا يكون ثلاثة ، ولا يرى في الدنيا مقالة أشد فساداً وأظهر بطلانا من مقالة النصارى .
وقد ذكر بعض المفسرين أن الذين قالوا من النصارى إن الله ثالث ثلاثة هم النسطورية والمرقوسية .
ومعنى ثالث ثلاثة : واحد من ثلاثة . أي : أحد هذه الأعداد مطلقا وليس الوصف بالثالث فقد ذكر النحاة أن اسم الفعل المصوغ من لفظ اثنين وشعرة وما بينهما لك أن تستعمله على وجوه منها : أن تستعمله مع أصله الذي صيغ هو منه ، ليفيد أن الموصوف به بعض تلك العدة المعينة لا غير .
فتقول : رابع أربعة أي : واحد من أربعة وليس زائداً عليها ، ويجب حينئذ إضافته إلى أصله .
وقوله : { وَمَا مِنْ إله إِلاَّ إله وَاحِدٌ } بيان للاعتقاد الحق بعد ذكر الاعتقاد الباطل .
وقد جاءت هذه الجملة بأقوى أساليب القصر وهو اشتمالها على " ما " و " إلا " . مع تأكيد النفي بمن المفيدة لاستغراق النفي .
والمعنى : لقد كفر الذين قالوا كذبا وزورا إن الله واحد من آلهة ثلاثة ، والحق أنه ليس في هذا الوجود إله مستحق للعبادة والخضوع سوى إله واحد وهو الله رب العالمين ، الذي خلق الخلق بقدرته ، ورباهم بنعمته . وإليه وحده مرجعهم وإيابهم .
ثم بين - سبحانه - سوء عاقبة هؤلاء الضالين الذين قالوا ما قالوا من ضلال وكذب فقال - تعالى - : { وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .
وهذه الجملة الكريمة معطوفة على قوله : { لَقَدْ كَفَرَ } والمراد بانتهائهم : رجوعهم عما هم عليه من ضلال وكفر .
والمراد بقوله - { عَمَّا يَقُولُونَ } : أي عما يعتقدون وينطقون به من زور وبهتان .
أي : لقد كفر أولئك الذين قلوا إن الله ثالث ثلاثة كفراً شديداص بينا والحق أنه ليس في الوجود سوى إله واحد مستحق للعبادة ، وإن لم يرجع هؤلاء الذين قالو بالتثليث عن عقائدهم الزائفة وأقوالهم الفاسدة ويعتصموا بعروة التوحيد { لَيَمَسَّنَّ الذين كَفَرُواْ } أي : ليصيبن الذين استمروا على الكفر منهم عذاب أليم .
فالجملة الكريمة تحذير من الله - تعالى - لهم عن الاستمرار في هذا القول الكاذب .
والاعقتاد الفاسد الذي يتنافى مع العقول السليمة ، والأفكار القويمة .
وقوله : { لَيَمَسَّنَّ } جواب لقسم محذوف ، وهو ساد مسد جواب الشرط المحذوف في قوله { وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ } والتقدير : والله إن لم ينتهوا ليمسن .
وأكد - سبحانه - وعيدهم بلام القسم في قوله { لَيَمَسَّنَّ } رداً على اعتقادهم أنهم لا تمسهم النار ، لأن صلب عيسى - في زعمهم - كان كفارة عن خطايا البشر .
وعبر بالمس للإِشارة إلى شدة ما يصيبهم من آلام : لأن المراد أن هذا العذاب الأليم يصيب جلدهم وهو موضع الإِحساس فيهم إصابة مستمرة ، كما قال - تعالى - في آية أخرى : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ العذاب } وقال - سبحانه - { لَيَمَسَّنَّ الذين كَفَرُواْ } بالتعبير بالظاهر دون الضمير للإِشارة إلى سبب العذاب وهو كفرهم ؛ لأن التعبير بالموصول يشير إلى أن الصلة هي سبب الحكم .
ومن في قوله { منهم } يصح أن تكون تبعيضية أي : ليمسن الذين استمروا على الكفر من هؤلاء النصارى عذاب أليم ، لأن كثيرا منهم لم يستمروا على الكفر بل رجعوا عنه ودخولا في دين الإِسلام .
ويصح أن تكون بيانية ، وقد وضح ذلك صاحب الكشاف بقوله : ومن في قوله : { لَيَمَسَّنَّ الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ } للبيان كالتي في قوله { فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان } والمعنى : ليمسن الذين كفروا من النصارى خاصة { عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي نوع شديد الألم من العذاب . . كما تقول : أعطني عشرين من الثياب . تريد من الثياب خاصة لا من غيرها من الأجناس التي يجوز أن يتناولها عشرون .
وبعد هذا الترهيب الشديد للكافرين من العذاب الأليم ، فتح لهم - سبحانه - باب رحمته ، حيث رغبهم في الإِيمان ، وأنكر عليهم تقاعسهم عنه بعد أن ثبت بطلان ما هم عليه من عقائد فقال - تعالى - : { أَفَلاَ يَتُوبُونَ إلى الله وَيَسْتَغْفِرُونَهُ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .
هذه الآية إخبار مؤكد كالذي قبله ، وهو عن هذه الفرقة الناطقة بالتثليت وهي- فيما يقال- الملكية ، وهم فرق منهم النسطورية وغيرهم ، ولا معنى لذكر أقوالهم في كتاب تفسير ، إنما الحق أنهم على اختلاف أحوالهم كفار من حيث جعلوا في الألوهية عدداً ومن حيث جعلوا لعيسى عليه السلام حكماً إلهياً ، وقوله تعالى { ثالث ثلاثة } لا يجوز فيه إلا الإضافة وخفض { ثلاثةٍ } لأن المعنى أحد ثلاثة فإن قلت زيد ثالث اثنين أو رابع ثلاثة جازلك أن تضيف كما تقدم ، وجاز أن لا تضيف وتنصب ثلاثة على معنى زيد يربع ثلاثة ، وقوله تعالى { وما من إله إلا إله واحد } خبر صادع بالحق ، وهوالخالق المبتدع المتصف بالصفات العلى تعالى عما يقول المبطلون ، ثم توعد تبارك وتعالى هؤلاء القائلين هذه العظيمة بمس العذاب ، وذلك وعيد بعذاب الدنيا من القتل والسبي ، وبعذاب الآخرة بعد ، لا يفلت منه أحد منهم .
استئناف قصد منه الانتقال إلى إبطال مقالة أخرى من مقالات طوائف النّصارى ، وهي مقالة ( المَلْكَانِيَّةِ المُسَمَّيْن بالجِعاثليقِيَّة ) ، وعليها معظم طوائف النّصارى في جميع الأرض . وقد تقدّم بيانها عند قوله تعالى : { فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة } من سورة النّساء ( 171 ) ، وأنّ قوله فيها { ولا تقولوا ثلاثة } يجمَع الردّ على طوائف النّصارى كلّهم . والمراد ب { قالوا } اعتقدوا فقالوا ، لأنّ شأن القول أن يكون صادراً على اعتقاد ، وقد تقدّم بيان ذلك .
ومعنى قولهم : { إنّ الله ثالث ثلاثة } أنّ ما يعرفُه النّاسُ أنّهُ اللّهُ هو مجموع ثلاثةِ أشياء ، وأنّ المستحقّ للاسم هو أحد تلك الثّلاثة الأشياء . وهذه الثّلاثة قد عبّروا عنها بالأقانِيم وهي : أقنوم الوجود ، وهو الذات المسمّى الله ، وسمّوه أيضاً الأبَ ؛ وأقنوم العِلم ، وسمَّوه أيضاً الابنَ ، وهو الّذي اتّحد بعيسى وصار بذلك عيسى إلهاً ؛ وأقنوم الحياة وسَمَّوه الرّوحَ القُدُس . وصار جمهورهم ، ومنهم الرَّكُوسية طائفة من نصارى العرب ، يقولون : إنّه لمّا اتّحد بمريم حينَ حمْلها بالكلمة تألَّهَتْ مريم أيضاً ، ولذلك اختلفوا هل هي أمّ الكلمة أم هي أمّ الله .
فقوله : { ثالث ثلاثة } معناه واحد من تلك الثّلاثة ، لأنّ العرب تصوغ من اسم العدد من اثنين إلى عشرة ، صيغة فاعِل مضافاً إلى اسم العدد المشتقّ هُو منه لإرادة أنّه جزء من ذلك العَدد نحو { ثاني اثنين } [ التوبة : 40 ] ، فإن أرادوا أنّ المشتقّ له وزنُ فاعل هو الّذي أكْمَلَ العدد أضافوا وزنَ فاعل إلى اسم العدد الّذي هو أرقَى منه فقالوا : رابِعُ ثلاثة ، أي جَاعل الثلاثة أربعة .
وقوله : { وما من إله إلاّ إله واحد } عطف على جملة { لقد كفر } لبيان الحقّ في الاعتقاد بعد ذكر الاعتقاد الباطل .
ويجوز جعل الجملة حالاً من ضمير { قالوا } ، أي قالوا هذا القول في حال كونه مخالفاً للواقع ، فيكون كالتّعليل لكفرهم في قولهم ذلك ، ومعناه على الوجهين نفي عن الإله الحقّ أن يكون غير واحد فإنّ ( مِن ) لتأكيد عموم النّفي فصار النّفي ب { ما } المقترنة بها مساوياً للنّفي ب ( لا ) النّافية للجنس في الدلالة على نفي الجنس نصّاً .
وعدل هنا عن النّفي بلا التبرئة فلم يُقل ( ولا إله إلاّ إله واحد ) إلى قوله : { وما من إله إلاّ إله واحد } اهتماماً بإبراز حرف ( مِن ) الدالّ بعد النّفي على تحقيق النّفي ، فإنّ النّفي بحرف ( لا ) ما أفاد نفي الجنس إلاّ بتقدير حرف ( من ) ، فلمّا قصدت زيادة الاهتمام بالنّفي هنا جيء بحرف ( مَا ) النّافية وأظهر بعده حرف ( من ) . وهذا ممّا لم يتعرّض إليه أَحدٌ من المفسّرين .
وقوله : { إلاّ إله واحد } يفيد حصر وصف الإلهيّة في واحد فانتفى التثليث المحكي عنهم . وأمّا تعيين هذا الواحد مَن هو ، فليس مقصوداً تعيينه هنا لأنّ القصد إبطال عقيدة التثليث فإذا بطل التثليث ، وثبتت الوحدانيّة تعيّن أنّ هذا الواحد هو الله تعالى لأنّه متّفق على إلهيّته ، فلمّا بطلت إلهيّة غيره معه تمحّضت الإلهيّة له فيكون قوله هنا{ وما من إله إلاّ إله واحد } مساوياً لقوله في سورة آل عمران ( 62 ) وما من إله إلاّ الله } ، إلاّ أنّ ذكر اسم الله تقدّم هنا وتقدّم قول المبطلين ( إنّه ثالث ثلاثة ) فاستغني بإثبات الوحدانيّة عن تعيينه . ولهذا صرّح بتعيين الإله الواحد في سورة آل عمران ( 62 ) في قوله تعالى : { وما من إله إلاّ الله } إذ المقام اقتضى تعيين انحصار الإلهيّة في الله تعالى دون عيسى ولم يجر فيه ذكر لتعدّد الآلهة .
وقوله : { وإن لم ينتهوا عمّا يقولون لَيَمَسَّنّ الّذين كفروا منهم عذاب أليم } عطف على جملة { لقد كفر الّذين قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة } ، أي لقد كفروا كفراً إن لم ينتهوا عنه أصابهم عذاب أليم . ومعنى { عمّا يقولون } أي عن قولهم المذكور آنفاً وهو { إنّ الله ثالث ثلاثة } . وقد جاء بالمضارع لأنّه المناسب للانتهاء إذ الانتهاء إنّما يكون عن شيء مستمرّ كما ناسب قوله { قَالوا } قولَهُ { لقد كفر } ، لأنّ الكفر حصل بقولهم ذلك ابتداء من الزّمن الماضي . ومعنى { عمّا يقولون } عمّا يعتقدون ، لأنّهم لو انتهوا عن القول باللّسان وأضمروا اعتقاده لما نفعهم ذلك ، فلمّا كان شأن القول لا يصدر إلاّ عن اعتقاد كان صالحاً لأن يكون كناية عن الاعتقاد مع معناه الصّريح . وأكّد الوعيد بلام القسم في قوله { ليمسّنّ } ردّاً لاعتقادهم أنّهم لا تمسّهم النّار ، لأنّ صلب عيسى كان كفّارة عن خطايا بني آدم .
والمسّ مجاز في الإصابة ، لأنّ حقيقة المسّ وضع اليد على الجسم ، فاستعمل في الإصابة بجامع الاتّصال ، كقوله تعالى : { والّذين كذّبوا بآياتنا يمسّهم العذاب بما كانوا يفسقون } [ الأنعام : 49 ] ، فهو دالّ على مطلق الإصابة من غير تقييد بشدّة أو ضعف ، وإنّما يُرجع في الشدّة أو الضعف إلى القرينة ، مثل { أليم } هنا ، ومثل قوله { بما كانوا يفسقون } [ الأنعام : 49 ] في الآية الأخرى ، وقال يزيد بن الحكم الكلابي من شعراء الحماسة :
مَسِسْنَا من الآباء شيئاً وكُلُّنا *** إلى حسب في قومه غيرِ واضع
والمراد ب { الّذين كفروا } عينُ المراد ب { الّذين قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة } فعُدل عن التّعبير عنهم بضميرهم إلى الصّلة المقرّرة لمعنى كفرهم المذكور آنفاً بقوله : { لقد كفر الّذين قالوا } إلخ ، لقصد تكرير تسجيل كفرهم وليكون اسم الموصول مومئاً إلى سبب الحكم المخبر به عنه . وعلى هذا يكون قوله { مِنْهم } بياناً للّذين كفروا قصد منه الاحتراس عن أن يتوهّم السامع أنّ هذا وعيد لكفّار آخرين .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة}، يعني الملكانيين، قالوا: الله والمسيح ومريم، يقول الله عز وجل تكذيبا لقولهم: {وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون} من الشرك {ليمسن}، يعني ليصيبن {الذين كفروا منهم عذاب أليم}، يعني وجيع، والقتل بالسيف، والجزية على من بقي منهم عقوبة.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وهذا أيضا خبر من الله تعالى ذكره عن فريق آخر من الإسرائيليين الذين وصف صفتهم في الآيات قبل أنه لما ابتلاهم بعد حسبانهم أنهم لا يتبلون ولا يفتنون، قالوا -كفرا بربهم وشركا-: الله ثالث ثلاثة. وهذا قول كان عليه جماهير النصارى قبل افتراق اليعقوبية والملكانية والنسطورية، كانوا فيما بلغنا يقولون: الإله القديم جوهر واحد يعمّ ثلاثة أقانيم: أبا والدا غير مولود، وابنا مولودا غير والد، وزوجا متتبعة بينهما. يقول الله تعالى ذكره مكذّبا لهم فيما قالوا من ذلك:"وما مِنْ إلهٍ إلاّ إلهٌ وَاحِدٌ" يقول: ما لكم معبود أيها الناس إلا معبود واحد، وهو الذي ليس بوالد لشيء ولا مولود، بل هو خالق كلّ والد ومولود. "وإنْ لم يَنْتَهُوا عَمّا يَقُولُونَ "يقول: إن لم ينتهوا قائلو هذه المقالة عما يقولون من قولهم: الله ثالث ثلاثة، "لَيَمَسّنّ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ" يقول: ليمسنّ الذين يقولون هذه المقالة، والذين يقولون المقالة الأخرى: هو المسيح ابن مريم، لأن الفريقين كلاهما كفرة مشركون، فلذلك رجع في الوعيد بالعذاب إلى العموم. ولم يقل: «ليمسنهم عذاب أليم»، لأن ذلك لو قيل كذلك صار الوعيد من الله تعالى ذكره خاصّا لقائل القول الثاني، وهم القائلون: الله ثالث ثلاثة، ولم يدخل فيهم القائلون: المسيح هو الله. فعمّ بالوعيد تعالى ذكره كل كافر، ليعلم المخاطبون بهذه الآيات أن وعيد الله وقد شمل كلا الفريقين من بني إسرائيل ومن كان من الكفار على مثل الذي هم عليه.
فإن قال قائل: وإن كان الأمر على ما وصفت فعلى من عادت الهاء والميم اللتان في قوله: «مِنْهُمْ»؟ قيل: على بني إسرائيل.
فتأويل الكلام إذ إن الأمر على ما وصفنا: وإن لم ينته هؤلاء الإسرائيليون عما يقولون في الله من عظيم القول، ليمسنّ الذين يقولون منهم إن المسيح هو الله والذين يقولون إن الله ثالث ثلاثة وكلّ كافر سلك سبيلهم عذابٌ أليم بكفرهم بالله.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
قوله:"وإن لم ينتهوا عما يقولون" أي إن لم يرجعوا ويتوبوا عما يقولون من القول بالتثليث أقسم "ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم "يعني الذين يستمرون على كفرهم والمس -هاهنا – ما يكون معه إحساس وهو حلوله فيه، لأن العذاب لا يمس الحيوان إلا أحس به، ويكون المس بمعنى اللمس، لأن في اللمس طلبا لإحساس الشيء، فلهذا اختير هاهنا المس. واللمس: ملاصقة معها إحساس، وإنما قال "ليمسن الذين كفروا منهم" لأمرين: أحدهما- ليعم الوعيد الفريقين الذين قالوا إن الله: هو المسيح ابن مريم، والذين قالوا: هو ثالث ثلاثة، والضمير عائد إلى أهل الكتاب. الثاني -أنه من أقام منهم على الكفر لزمه هذا الوعيد.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
"من" في قوله: {وَمَا مِنْ إله إِلاَّ إله واحد} للاستغراق وهي القدرة مع (لا) التي لنفي الجنس في قولك {لاَ إله إِلاَّ الله} والمعنى: وما إله قط في الوجود إلا إله موصوف بالوحدانية لا ثاني له، وهو الله وحده لا شريك له: و (من) في قوله: {لَيَمَسَّنَّ الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ} للبيان كالتي في قوله تعالى: {فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان} [الحج: 30].
فإن قلت: فهلا قيل: ليمسنهم عَذَابٌ أَلِيمٌ. قلت: في إقامة الظاهر مقام المضمر فائدة وهي تكرير الشهادة عليهم بالكفر في قوله: {لَّقَدْ كَفَرَ الذين قَالُواْ} وفي البيان فائدة أخرى وهي الإعلام في تفسير (الذين كفروا منهم) أنهم بمكان من الكفر. والمعنى: ليمسنّ الذين كفروا من النصارى خاصة {عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي نوع شديد الألم من العذاب.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
هذه الآية إخبار مؤكد كالذي قبله، وهو عن هذه الفرقة الناطقة بالتثليث وهي- فيما يقال- الملكية، وهم فرق منهم النسطورية وغيرهم، ولا معنى لذكر أقوالهم في كتاب تفسير، إنما الحق أنهم على اختلاف أحوالهم كفار من حيث جعلوا في الألوهية عدداً ومن حيث جعلوا لعيسى عليه السلام حكماً إلهياً، وقوله تعالى {ثالث ثلاثة} لا يجوز فيه إلا الإضافة وخفض {ثلاثةٍ} لأن المعنى... وقوله تعالى {وما من إله إلا إله واحد} خبر صادع بالحق، وهو الخالق المبتدع المتصف بالصفات العلى تعالى عما يقول المبطلون، ثم توعد تبارك وتعالى هؤلاء القائلين هذه العظيمة بمس العذاب، وذلك وعيد بعذاب الدنيا من القتل والسبي، وبعذاب الآخرة بعد، لا يفلت منه أحد منهم.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ} أكد تعالى بالقسم أيضا كفر الذين قالوا إن الله هو خالق السماوات والأرض وما بينهما ثالث أقانيم ثلاثة، وهي الأب والابن وروح القدس، قال ابن جرير: وهذا قول كان عليه جماهير النصارى قبل افتراق اليعقوبية والملكانية والنسطورية. كانوا فيما بلغنا يقولون: الإله القديم جوهر واحد يعم ثلاثة أقانيم – أبا والدا غير مولود، وابنا مولودا غير والد، وزوجا متتبعة بينهما. اه فكان هو وكثير من المفسرين والمؤرخين المتقدمين يرون – بحسب معرفتهم بحال نصارى زمنهم وما يروون عمن قبلهم – أن الذين يقولون من النصارى إن إلههم ثالث ثلاثة؛ هم غير الفرقة التي تقول منهم: إن الله هو المسيح ابن مريم. وأن ثم فرقة ثالثة تقول: إن المسيح هو ابن الله وليس هو الله، ولا ثالث ثلاثة. وأما النصارى المتأخرون فالذي نعرفه منهم وعنهم أنهم يقولون بالثلاثة الأقانيم، بأن كل واحد منها عين الآخر. فالأب عين الابن وعين روح القدس، ولما كان المسيح هو الابن كان عين الأب وروح القدس أيضا. ومن العجيب أن بعض متأخري المفسرين ينقلون أقوال من قبلهم في أمثال هذه المسائل ويقرونها، ولا يبحثون عن حال أهل زمنهم، ولا يشرحون حقيقة عقيدتهم. وقد سبق لنا بيان عقيدة التثليث، وكون النصارى أخذوها عن قدماء الوثنين، فارجع إلى تفسير {ولا تقولوا ثلاثة} في أواخر سورة النساء (ج 6 تفسير) وبينا قبليها عقيدة الصلب والفداء (ج6 تفسير) ثم بينا عقيدة التثليث في تفسير الآية ال 19 من السورة (ج 6 تفسير).
قال تعالى ردا عليهم {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ} أي قالوا قولهم هذا بلا روية ولا بصيرة، والحال أنه ليس في الوجود ثلاثة آلهة ولا اثنان ولا أكثر من ذلك – لا يوجد إله ما إلا إله متصف بالوحدانية. وهو الله الذي لا تركيب في ذاته ولا تعدد.
وهذه العبارة أشد تأكيدا لنفي تعدد الإله من عبارة: لا إله إلا إله واحد. لأن (من) بعد (ما) تفيد استغراق النفي وشموله لكل نوع من أنواع المتعدد كل فرد من أفراده؛ فليس ثم تعداد ذوات وأعيان، ولا تعدد الأجناس والأنواع، ولا تعدد جزئيات أو أجزاء. والنصارى قد اقتبسوا عقيدة التثليث عمن قبلهم ولم يفهموها، وعقلاؤهم يتمنون لو يقدرون على التفصي منها، ولكنهم إذا أنكروها بعد هذه الشهرة تبطل ثقة العامة بالنصرانية كلها. كما قال أحد عقلاء القسوس لبعض أهل العلم العصري من الشبان السوريين.
ومن الغريب أنهم يعترفون بأن هذه العقيدة لا تعقل، ولكن بعضهم يحاول تأنيس النفوس بها، بضرب أمثلة لا تصدق عليها، ككون الشمس مركبة من الجرم المشتعل والنور والحرارة...
{لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي وإن لم ينتهوا عن قولهم بالتثليث ويتركوه، ويعتصموا بعروة التوحيد الوثقى ويعتقدوه، فوالله ليصيبنهم بكفرهم عذاب شديد الألم في الآخرة. فوضع (الذين كفروا) موضع الضمير ليثبت أن ذلك القول كفر بالله، وإن الكفر سبب العذاب الذي توعدهم به، ويبين أن هذا العذاب لا يمس إلا الذين كفروا منهم خاصة بالتثليث أو غيره، دون من تاب وأناب إلى الله تعالى، إذ ليس عذاب الآخرة كعذاب الأمم في الدنيا يشترك فيه المذنبون وغيرهم. وقيل إن (من) بيانية.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
استئناف قصد منه الانتقال إلى إبطال مقالة أخرى من مقالات طوائف النّصارى، وهي مقالة (المَلْكَانِيَّةِ المُسَمَّيْن بالجِعاثليقِيَّة)، وعليها معظم طوائف النّصارى في جميع الأرض. وقد تقدّم بيانها عند قوله تعالى: {فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة} من سورة النّساء (171)، وأنّ قوله فيها {ولا تقولوا ثلاثة} يجمَع الردّ على طوائف النّصارى كلّهم. والمراد ب {قالوا} اعتقدوا فقالوا، لأنّ شأن القول أن يكون صادراً على اعتقاد، وقد تقدّم بيان ذلك.
ومعنى قولهم: {إنّ الله ثالث ثلاثة} أنّ ما يعرفُه النّاسُ أنّهُ اللّهُ هو مجموع ثلاثةِ أشياء، وأنّ المستحقّ للاسم هو أحد تلك الثّلاثة الأشياء. وهذه الثّلاثة قد عبّروا عنها بالأقانِيم وهي: أقنوم الوجود، وهو الذات المسمّى الله، وسمّوه أيضاً الأبَ؛ وأقنوم العِلم، وسمَّوه أيضاً الابنَ، وهو الّذي اتّحد بعيسى وصار بذلك عيسى إلهاً؛ وأقنوم الحياة وسَمَّوه الرّوحَ القُدُس. وصار جمهورهم، ومنهم الرَّكُوسية طائفة من نصارى العرب، يقولون: إنّه لمّا اتّحد بمريم حينَ حمْلها بالكلمة تألَّهَتْ مريم أيضاً، ولذلك اختلفوا هل هي أمّ الكلمة أم هي أمّ الله.
فقوله: {ثالث ثلاثة} معناه واحد من تلك الثّلاثة، لأنّ العرب تصوغ من اسم العدد من اثنين إلى عشرة، صيغة فاعِل مضافاً إلى اسم العدد المشتقّ هُو منه لإرادة أنّه جزء من ذلك العَدد نحو {ثاني اثنين} [التوبة: 40]، فإن أرادوا أنّ المشتقّ له وزنُ فاعل هو الّذي أكْمَلَ العدد أضافوا وزنَ فاعل إلى اسم العدد الّذي هو أرقَى منه فقالوا: رابِعُ ثلاثة، أي جَاعل الثلاثة أربعة.
وقوله: {وما من إله إلاّ إله واحد} عطف على جملة {لقد كفر} لبيان الحقّ في الاعتقاد بعد ذكر الاعتقاد الباطل.
ويجوز جعل الجملة حالاً من ضمير {قالوا}، أي قالوا هذا القول في حال كونه مخالفاً للواقع، فيكون كالتّعليل لكفرهم في قولهم ذلك، ومعناه على الوجهين نفي عن الإله الحقّ أن يكون غير واحد فإنّ (مِن) لتأكيد عموم النّفي فصار النّفي ب {ما} المقترنة بها مساوياً للنّفي ب (لا) النّافية للجنس في الدلالة على نفي الجنس نصّاً.
وعدل هنا عن النّفي بلا التبرئة فلم يُقل (ولا إله إلاّ إله واحد) إلى قوله: {وما من إله إلاّ إله واحد} اهتماماً بإبراز حرف (مِن) الدالّ بعد النّفي على تحقيق النّفي، فإنّ النّفي بحرف (لا) ما أفاد نفي الجنس إلاّ بتقدير حرف (من)، فلمّا قصدت زيادة الاهتمام بالنّفي هنا جيء بحرف (مَا) النّافية وأظهر بعده حرف (من). وهذا ممّا لم يتعرّض إليه أَحدٌ من المفسّرين.
وقوله: {إلاّ إله واحد} يفيد حصر وصف الإلهيّة في واحد فانتفى التثليث المحكي عنهم. وأمّا تعيين هذا الواحد مَن هو، فليس مقصوداً تعيينه هنا لأنّ القصد إبطال عقيدة التثليث فإذا بطل التثليث، وثبتت الوحدانيّة تعيّن أنّ هذا الواحد هو الله تعالى لأنّه متّفق على إلهيّته، فلمّا بطلت إلهيّة غيره معه تمحّضت الإلهيّة له فيكون قوله هنا {وما من إله إلاّ إله واحد} مساوياً لقوله في سورة آل عمران (62) وما من إله إلاّ الله}، إلاّ أنّ ذكر اسم الله تقدّم هنا وتقدّم قول المبطلين (إنّه ثالث ثلاثة) فاستغني بإثبات الوحدانيّة عن تعيينه. ولهذا صرّح بتعيين الإله الواحد في سورة آل عمران (62) في قوله تعالى: {وما من إله إلاّ الله} إذ المقام اقتضى تعيين انحصار الإلهيّة في الله تعالى دون عيسى ولم يجر فيه ذكر لتعدّد الآلهة.
وقوله: {وإن لم ينتهوا عمّا يقولون لَيَمَسَّنّ الّذين كفروا منهم عذاب أليم} عطف على جملة {لقد كفر الّذين قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة}، أي لقد كفروا كفراً إن لم ينتهوا عنه أصابهم عذاب أليم. ومعنى {عمّا يقولون} أي عن قولهم المذكور آنفاً وهو {إنّ الله ثالث ثلاثة}. وقد جاء بالمضارع لأنّه المناسب للانتهاء إذ الانتهاء إنّما يكون عن شيء مستمرّ كما ناسب قوله {قَالوا} قولَهُ {لقد كفر}، لأنّ الكفر حصل بقولهم ذلك ابتداء من الزّمن الماضي. ومعنى {عمّا يقولون} عمّا يعتقدون، لأنّهم لو انتهوا عن القول باللّسان وأضمروا اعتقاده لما نفعهم ذلك، فلمّا كان شأن القول لا يصدر إلاّ عن اعتقاد كان صالحاً لأن يكون كناية عن الاعتقاد مع معناه الصّريح. وأكّد الوعيد بلام القسم في قوله {ليمسّنّ} ردّاً لاعتقادهم أنّهم لا تمسّهم النّار، لأنّ صلب عيسى كان كفّارة عن خطايا بني آدم.
والمسّ مجاز في الإصابة، لأنّ حقيقة المسّ وضع اليد على الجسم، فاستعمل في الإصابة بجامع الاتّصال، كقوله تعالى: {والّذين كذّبوا بآياتنا يمسّهم العذاب بما كانوا يفسقون} [الأنعام: 49]، فهو دالّ على مطلق الإصابة من غير تقييد بشدّة أو ضعف، وإنّما يُرجع في الشدّة أو الضعف إلى القرينة، مثل {أليم} هنا، ومثل قوله {بما كانوا يفسقون} [الأنعام: 49] في الآية الأخرى...
... والمراد ب {الّذين كفروا} عينُ المراد ب {الّذين قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة} فعُدل عن التّعبير عنهم بضميرهم إلى الصّلة المقرّرة لمعنى كفرهم المذكور آنفاً بقوله: {لقد كفر الّذين قالوا} إلخ، لقصد تكرير تسجيل كفرهم وليكون اسم الموصول مومئاً إلى سبب الحكم المخبر به عنه. وعلى هذا يكون قوله {مِنْهم} بياناً للّذين كفروا قصد منه الاحتراس عن أن يتوهّم السامع أنّ هذا وعيد لكفّار آخرين.