فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَٰثَةٖۘ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّآ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۚ وَإِن لَّمۡ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (73)

{ لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة } وهذا نبأ من الله الحق عن طائفة تؤمن بالتثليث( {[1834]} ) ، تقول منكرا وزورا : الله ثالث آلهة ثلاثة ؛ ( وهذا قول كان عليه جماهير النصارى قبل افتراق اليعقوبية والملكانية والنسطورية ، كانوا- فيما بلغنا- يقولون : الإله القديم جوهر واحد يعم ثلاثة أقانيم : أبا والدا غير مولود ، وابنا مولودا غير والد ، وزوجا متتبعة بينهما ) ( {[1835]} ) ؛ ويدل على أن هذا بهتانهم ما جاء في قول الحق جل علاه : { وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق . . } ؛ { وما من إله إلا إله واحد } ليس المعبود بحق متعددا ، بل هو إله واحد لا شريك له ، ولا معبود في الكون يستحق العبادة سواه ، هو رب ما نرى وما لا نرى وإله جميع الكائنات وسائر الموجودات ، واحد لا ثاني له ولا شريك ، ولا ند له ولا ضد ولا مثيل ؛ { وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم } وعيد للذين لم يؤمنوا بوحدانية الله ، فمن لم يرجع من المشركين عن شركه فقسما لنذيقنه عذابا موجعا يبقى فيه خالدا مخلدا ، مع ما نعجل له في الدنيا من عذاب العداوة والبغضاء فيما بينهم ، والنحوسة تحل بهم ؛ قال الزجاج : يعني الذين أقاموا على هذا الضلال ، أما من تاب وأناب إلى التوحيد فما هو من المعذبين ، فمن إذا في قوله تعالى : { منهم } للتبعيض ، ويجوز أن تكون للبيان ، والمراد : ليمسنهم ، ولكن أقيم الظاهر مقام المضمر تكريرا للشهادة عليهم بالكفر .


[1834]:عن السدي وغيره: نزلت في جعلهم المسيح وأمه إلهين مع الله فجعلوا ثالث ثلاثة بهذا الاعتبار.
[1835]:ما بين العلامتين ( ) من جامع البيان.