معاني القرآن للفراء - الفراء  
{لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَٰثَةٖۘ وَمَا مِنۡ إِلَٰهٍ إِلَّآ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۚ وَإِن لَّمۡ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (73)

وقوله : { لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ . . . }

يكون مضافا . ولا يجوز التنوين في ( ثالث ) فتنصب الثلاثة . وكذلك قلت : واحد من اثنين ، وواحد من ثلاثة ؛ ألا ترى أنه لا يكون ثانيا لنفسه ولا ثالثا لنفسه . فلو قلت : أنت ثالث اثنين لجاز أن تقول : أنت ثالث اثنين ، بالإضافة ، وبالتنوين ونصب الاثنين ؛ وكذلك لو قلت : أنت رابع ثلاثة جاز ذلك ؛ لأنه فعل واقع .

وقوله : { وَما مِنْ إله إِلاَّ اله وَاحِدٌ } لا يكون قوله ( إِله واحِد ) إلا رفعا ؛ لأن المعنى : ليس إِله إِلا إِله واحد ، فرددت ما بعد ( إلا ) إلى المعنى ؛ ألا ترى أن ( مِن ) إذا فُقِدت من أوّل الكلام رفعت . وقد قال بعض الشعراء :

ما من حوِىّ بين بدرٍ وصاحةٍ *** ولا شُعْبةٍ إلا شِبَاعٌ نسورها

فرأيت الكسائي قد أجاز خفضه وهو بعد إلا ، وأنزل ( إلا ) مع الجحود بمنزلة غير ، وليس ذلك بشيء ؛ لأنه أنزله بمنزلة قول الشاعر :

أبنِى لبيني لستُم بِيدٍ *** إِلا يدٍ ليست لها عُضد

وهذا جائز ؛ لأن الباء قد تكون واقعة في الجحد كالمعرفة والنكرة ، فيقول : ما أنت بقائم ، والقائم نكرة ، وما أنت بأخينا ، والأخ معرفة ، ولا يجوز أن تقول : ما قام من أخيك ، كما تقول ما قام من رجل .