معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَءَاخَرُونَ مُرۡجَوۡنَ لِأَمۡرِ ٱللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمۡ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيۡهِمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (106)

قوله تعالى : { وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم } . قرأ أهل المدينة والكوفة غير أبي بكر : { مرجون } بغير همز ، والآخرون : بالهمز ، والإرجاء : التأخير ، مرجون : مؤخرون . لأمر الله : لحكم الله عز وجل فيهم ، وهم الثلاثة الذين تأتي قصتهم من بعد : كعب بن مالك ، وهلال بن أمية ، ومرارة بن الربيع ، لم يبالغوا في التوبة والاعتذار كما فعل أبو لبابة ، فوقفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسين ليلة ونهى الناس عن مكالمتهم ومخالطتهم ، حتى شقهم القلق وضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، وكانوا من أهل بدر فجعل أناس يقولون : هلكوا ، وآخرون يقولون : عسى الله أن يغفر لهم ، فصاروا مرجئين لأمر الله ا يدرون أيعذبهم أم يرحمهم ، حتى نزلت توبتهم بعد خمسين ليلة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَءَاخَرُونَ مُرۡجَوۡنَ لِأَمۡرِ ٱللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمۡ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيۡهِمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (106)

{ 106 ْ } { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ْ }

أي : { وَآخَرُونَ } من المخلفين مؤخرون { لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ } ففي هذا التخويف الشديد للمتخلفين ، والحث لهم على التوبة والندم .

{ وَاللَّهُ عَلِيمٌ } بأحوال العباد ونياتهم { حَكِيمٌ } يضع الأشياء مواضعها ، وينزلها منازلها ، فإن اقتضت حكمته أن يغفر لهم ويتوب عليهم غفر لهم وتاب عليهم ، وإن اقتضت حكمته أن يخذلهم ولا يوفقهم للتوبة ، فعل ذلك .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَءَاخَرُونَ مُرۡجَوۡنَ لِأَمۡرِ ٱللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمۡ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيۡهِمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (106)

ثم بين - سبحانه - حال قسم آخر من أقسام المتخلفين عن غزوة تبوك ، فقال - تعالى - : { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ الله إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ . . } .

قال الجمل : قوله : { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ . . } قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عمر وابو بكر عن عاصم " مرجأون " بهمزة مضمونة بعدها واو ساكنة . وقرأ الباقون " مرجون " دون تلك الهمزة . . وهما لغتان ، يقال أرجأته وأرجيته . . "

وهذه الآية الكريمة معطوفة على قوله - تعالى - قبل ذلك : { وَآخَرُونَ اعترفوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً } .

والمعنى : ومن المتخلفين عن الخروج معك إلى تبوك - يا محمد - قوم آخرون موقوف أمرهم إلى أن يحكم الله بحكمه العادل ، فهو - سبحانه - " إما يعذبهم " بأن يميتهم بلا توبة { وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ } أى : يقبل توبتهم .

وهذا الترديد الذي يدل عليه لفظ " إما " ، إنما هو بالنسبة للناس ، وإلا فالله - تعالى - عليم بما هو فاعله بهم .

والحكمة من إيهام أمرهم ، إثارة الهم والخوف في قلوبهم لتصح توبتهم ؛ لأن التوبة عندما تجئ بعد ندم شديد ، وتأديب نفسى . . تكون مرجوة القبول منه - سبحانه - .

وقوله { والله عَلِيمٌ } أى : والله - تعالى - عليم بأحوال خلقه وبما يصلحهم في أمورهم ، حكيم فيما يشرعه لهم من أحكام .

قال الآلوسى : والمراد بهؤلاء " المرجون لأمر الله . . . " " كما جاء في الصحيحين : هلال بن أمية ، وكعب بن مالك ، ومرارة بن الربيع ، كانوا قد تخلفوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك ، وهموا باللحاق به فلم يتيسر لهم ذلك - فقعدوا في المدينة كسلا وميلا إلى الدعة - ولم يكن تخلفهم عن نفاق ، فلما قدم النبى - صلى الله عليه وسلم - وكان ما كان من أمر المتخلفين - قالوا : لا عذر لنا إلا الخطئية ، ولم يعتذروا كما اعتذر غيرهم ، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باجتنابهم . . إلى أن نزل قوله - تعالى - بعد ذلك : { لَقَدْ تَابَ الله على النبي والمهاجرين والأنصار } . . { وَعَلَى الثلاثة الذين خُلِّفُواْ } فأمر - صلى الله عليه وسلم - بخالطتهم ، وكانت مدة وقفهم خمسين ليلة بقدر مدة التخلف ، إذ كانت مدة غيبته - صلى الله عليه وسلم - عن المدينة خميسن ليلة ، فلما تمتعوا بالراحة في تلك المدة مع تعب إخوانهم في السفر ، عوقبوا بهجرهم ووقفهم تلك المدة " .

وبذلك تكون هذه الآيات الكريمة قد ذكرت ثلاث طوائف من المتخلفين عن غزوة تبوك .

أما الطائفة الأولى فهى التي مردت على النفاق ، وقد عبر عنها - سبحانه - بقوله : { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ الأعراب مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ المدينة مَرَدُواْ عَلَى النفاق . . } وأما الطائفة الثانية فهى التي سارعت إلى الاعتذار والاتراف بالذنب ، فقبل الله توبتهم ، وقد عبر عنها - سبحانه - بقوله : { وَآخَرُونَ اعترفوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً } .

وأما الطائفة الثالثة فهى التي لم تجد عذرا تعتذر به ، فأوقف الله أمرهم إلى أن حكم بقبول توبتهم بعد خمسين ليلة ، وقد عبر عنها - سبحانه - بقوله : { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ الله إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ . . } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَءَاخَرُونَ مُرۡجَوۡنَ لِأَمۡرِ ٱللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمۡ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيۡهِمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (106)

قوله { وآخرون } عطف على قوله أولاً { وآخرون } [ التوبة : 84 ] ، وقرأ نافع والأعرج وابن نصاح وأبو جعفر وطلحة والحسن وأهل الحجاز «مرجون » من أرجى دون همز ، وقرأ أبو عمرو وعاصم وأهل البصرة «مرجؤون » من أرجأ يرجىء بالهمز ، واختلف عن عاصم ، وهما لغتان ، ومعناهما التأخير ومنه المرجئة لأنهم أخروا الأعمال أي أخروا حكمها ومرتبتها ، وأنكر المبرد ترك الهمز في معنى التأخير وليس كما قال ، والمراد بهذه الآية فيما قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد والضحاك وقتادة وابن إسحاق الثلاثة الذين خلفوا وهم هلال بن أمية الواقفي ومرارة بن الربيع العامري وكعب بن مالك ، ونزلت هذه الآية قبل التوبة عليهم ، وقيل إنها نزلت في غيرهم من المنافقين الذين كانوا معرضين للتوبة مع بنائهم مسجد الضرار ، وعلى هذا يكون الذين اتخذوا بإسقاط واو العطف بدلاً من { آخرون } ، أو خبر ابتداء تقديره هم الذين ، فالآية على هذا فيها ترج لهم واستدعاء إلى الإيمان والتوبة ، و{ عليم } معناه بمن يهدي إلى الرشد ، و{ حكيم } فيما ينفذه من تنعيم من شاء وتعذيب من شاء لا رب غيره ولا معبود سواه .