{ وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم ( 106 ) }
106 { وآخرون مرجون لأمر الله… } الآية .
نزلت هذه الآية بشأن ثلاثة من المسلمين ؛ تخلفوا عن غزوة تبوك بدون عذر ؛ إنما قعد بهم الدعة والراحة ، وقد حاولوا أن يلحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد ، بيد أنهم ترددوا حتى عاد الرسول صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك ، وجاء المنافقون فاعتذروا أعذارا كاذبة ، وقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم ظواهرهم ووكل سرائرهم إلى الله .
أما هؤلاء الثلاثة فقد صدقوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وقالوا : يا رسول الله ، تخلفنا بدون عذر ؛ فأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يتركوهم حتى ينزل الله فيهم أمره ، فهجرهم المسلمون خمسين ليلة ، لا يسلمون عليهم ، ولا يردون عليهم السلام ؛ وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتزلوا نساءهم ، وكان أمرهم مترددا بين قبول توبتهم ، أو رفضها جزاء تخلفهم عن الجهاد ، بيد أن الله تعالى قبل توبتهم في آخر السورة ، حيث قال سبحانه بشأنهم : { وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم } ( التوبة : 118 ) .
وهؤلاء الثلاثة : كعب بن مالك ، وهلال بن أمية ، ومرارة بن الربيع . كلهم من الأنصار ، وقد وردت قصتهم في صحيح البخاري . وقد علق الله أمرهم ، وهو العليم بكل أمر ؛ رغبة في ترك موضوعهم معلقا ، حتى يستمر ندمهم على ما فعلوا وليكونوا عبرة لغيرهم ؛ حتى لا يتخلف مؤمن عن الجهاد .
المعنى : وآخرون من المتخلفين موقوفون : { مرجون لأمر الله } . أي : مرجئون ومؤخرون لأمر الله في شأنهم ، إما أن يعذبهم لتخلفهم عن الجهاد ، وإما أن يقبل توبتهم ؛ بعد أن تخلص نفوسهم وقلوبهم من الإخلاد إلى الدعة والراحة ، وإيثار ذلك على الجهاد ؛ { والله عليم } بمن يستحق العقوبة ممن يستحق العفو ، وبما يصلح عباده ويربيهم ، حكيم في أفعاله وأقواله ، ومن حكمته إرجاء النص على توبتهم .
وكان المتخلفون عن غزوة تبوك أصنافا ثلاثة :
1 المنافقون الذين مردوا على النفاق وهم أكثر المتخلفين .
2 التائبون المؤمنون الذين اعترفوا بذنوبهم ، وتابوا فتاب الله عليهم ، وهم الذين ربطوا أنفسهم بالسواري ؛ وهم أبو لبابة وأصحابه ، فنزلت توبتهم .
3 الذين بقوا موقوفين مترددين ، لم يعتذروا للنبي صلى الله عليه وسلم عن تخلفهم ، وأرجئوا توبتهم ، فلم يربطوا أنفسهم في سواري المسجد ، فأرجأ الله الحكم في أمرهم . فوقف أمرهم خمسين ليلة ، وهجرهم الناس ، حتى صدقت توبتهم ؛ وعظم ندمهم : { ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا . . . } ( التوبة : 118 ) .
الحكمة الإلهية قد تقتضي البث في شأن بعض العباد ، وقد ترجئ ذلك ؛ ليظل الناس في أمل ورجاء ، ورهبة وخوف ، وقد أثمرت هذه الحكمة في دفع هؤلاء الثلاثة إلى شدة الندم ، وصدق التوبة حتى تاب الله عليهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.