محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَءَاخَرُونَ مُرۡجَوۡنَ لِأَمۡرِ ٱللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمۡ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيۡهِمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (106)

وقوله تعالى :

[ 106 ] { وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم 106 } .

{ وآخرون } يعني من المتخلفين { مرجون لأمر الله } أي مؤخرون أمرهم ، انتظارا لحكمه تعالى فيهم ، لتردّد حالهم بين أمرين { إما يعذبهم } لتخلفهم عن غزوة تبوك { وإما يتوب عليهم } يتجاوز عنهم { والله عليم } أي بأحوالهم { حكيم } أي فيما يحكم عليهم .

تنبيهات

الأول- قرئ في السبعة { مرجؤون } بهمزة مضمومة ، بعدها واو ساكنة . وقرئ { مرجون } بدون همزة . كما قرئ { ترجي من تشاء } بهما ، وهما لغتان ، يقال : أرجأته وأرجيته ، كأعطيته . ويحتمل أن تكون الياء بدلا من الهمزة ، كقولهم : قرأت وقريت ، / وتوضأت وتوضيت ، وهو في كلامهم كثير . وعلى كونه لغة أصلية فهو يأتي . وقيل : إنه واويّ كذا في ( العناية ) - .

الثاني - روي عن الحسن أنه عنى بهذه الآية قوم من المنافقين . وكذا قال الأصم : إنهم منافقون أرجأهم الله ، فلم يخبر عنهم ما علمه منهم ، وحذرهم بهذه الآية ، إن لم يتوبوا ، أن ينزّل فيهم قرآنا ، فقال : { إما يعذبهم وإما يتوب عليهم } .

وعن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وغير واحد : " إنهم الثلاثة الذي خلفوا ، أي عن التوبة ، وهم مرارة بن الربيع وكعب بن مالك وهلال بن أمية ، قعدوا في غزوة تبوك في جملة من قعد ، كسلا وميلا إلى الدعة وطيب الثمار والظلال ، لا شكا ونفاقا ، فكانت منهم طائفة ربطوا أنفسهم بالسواري ، كما فعل أبو لبابة وأصحابه ، وطائفة لم يفعلوا ذلك ، وهم هؤلاء الثلاثة . فنزلت توبة أولئك قبل هؤلاء ، وأرجئ هؤلاء عن التوبة ، حتى نزلت الآية الآتية ، وهي قوله تعالى{[4646]} : { لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار . . . } إلى قوله : { وعلى الثلاثة الذين خلّفوا . . . } الآية " .

قال في ( العناية ) : وإنما اشتد الغضب عليهم مع إخلاصهم ، والجهاد فرض كفاية ، لما قيل إنه كان على الأنصار خاصة فرض عين ، لأنهم بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم عليه . ألا ترى قول راجزهم في{[4647]} الخندق :

نحن الذين بايعنا محمدا *** على الجهاد ما بقينا أبدا

وهؤلاء من أجلّهم ، فكان تخلفهم كبيرة .

الثالث - ( إما ) في الآية ، إما للشك بالنسبة إلى المخاطب ، أو للإبهام بالنسبة إليه أيضا ، بمعنى أنه تعالى أبهم على المخاطبين أمرهم . والمعنى : ليكن أمرهم عندكم بين الرجاء / والخوف . والمراد تفويض ذلك إلى إرادته تعالى ومشيئته ، أو للتنويع ، أي أمرهم دائر بين هذين الأمرين .


[4646]:[9 / التوبة / 117].
[4647]:يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه في: 56- كتاب الجهاد، 33- باب التحريض على القتال، حديث 1358 عن أنس.