فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَءَاخَرُونَ مُرۡجَوۡنَ لِأَمۡرِ ٱللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمۡ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيۡهِمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ} (106)

{ وآخرون مرجون لأمر الله } ذكر سبحانه ثلاثة أقسام في المتخلفين ( الأول ) المنافقون الذين مردوا على النفاق ( الثاني ) التائبون المعترفون بذنوبهم ( الثالث ) الذين بقي أمرهم موقوفا في تلك الحال وهم المرجون لأمر الله من أرجيته وأرجأته إذا أخرته وهما لغتان والقراءتان أي بالهمزة ودونه سبعيتان ، والمعنى أنهم مؤخرون في تلك الحال لا يقطع لهم بالتوبة ولا بعدمها ، بل هم على ما تبين من أمر الله سبحانه في شأنهم .

والفرق بين الثاني والثالث أن الثاني اعتذر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأعذار فقبلها منه فجعلت توبته ، وأن الثالث لم يعتذر لأنه فتش فلم يجد عذرا صادقا فأخر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمره حتى ينزل الله قبول توبته فأخر الله قبولها خمسين يوما .

{ إما يعذبهم } إن بقوا على ماهم عليه ولم يتوبوا { وإما يتوب عليهم } إن تابوا توبة صحيحة وإما متوبا عليهم ، وإما هنا للشك بالنسبة إلى المخاطب ، وإما للإبهام بالنسبة إلى الله تعالى بمعنى أنه تعالى أبهم على المخاطبين أعني هذا الترديد بالنظر لاعتقادنا فيهم ، وإلا فالله تعالى عالم بعين ما هو فاعله بهم { والله عليم } بأحوالهم { حكيم } فيما يفعله بهم من خير أو شر .

وعن عكرمة قال : وآخرون مرجون لأمر الله هم الثلاثة الذين خلفوا ، وعن مجاهد قال : هم هلال بن أمية ومرارة بن الربيع وكعب بن مالك من الأوس والخزرج تخلفوا كسلا وميلا إلى الدعة لا نفاقا ، ولم يعتذروا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كغيرهم ، فوقف أمرهم خمسين ليلة وهجرهم الناس حتى نزلت توبتهم بعد .