قوله تعالى : { ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق } ، يعني : الملائكة ، وقيل : يعني العباد ، يردون بالموت إلى الله مولاهم الحق ، فإن قيل : الآية في المؤمنين والكفار جميعاً ، وقد قال في آية أخرى : { وأن الكافرين لا مولى لهم } [ محمد :11 ] ، فكيف وجه الجمع ؟ فقيل : المولى في تلك الآية بمعنى الناصر ولا ناصر للكفار ، والمولى هاهنا بمعنى المالك الذي يتولى أمورهم ، والله عز وجل مالك الكل ، ومتولي الأمور ، وقيل : أراد هنا المؤمنين خاصة ، يردون إلى مولاهم ، والكفار فيه تبع .
قوله تعالى : { ألا له الحكم } ، أي : القضاء دون خلقه .
قوله تعالى : { وهو أسرع الحاسبين } ، أي : إذا حاسب فحسابه سريع لأنه لا يحتاج إلى فكرة وروية ، وعقد يد .
{ ثُمَّ } بعد الموت والحياة البرزخية ، وما فيها من الخير والشر { رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ } أي : الذي تولاهم بحكمه القدري ، فنفذ فيهم ما شاء من أنواع التدبير ، ثم تولاهم بأمره ونهيه ، وأرسل إليهم الرسل ، وأنزل عليهم الكتب ، ثم ردوا إليه ليتولى الحكم فيهم بالجزاء ، ويثيبهم على ما عملوا من الخيرات ، ويعاقبهم على الشرور والسيئات ، وَلهذا قال : { أَلَا لَهُ الْحُكْمُ } وحده لا شريك له { وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ } لكمال علمه وحفظه لأعمالهم ، بما أثبتته في اللوح المحفوظ ، ثم أثبته ملائكته في الكتاب ، الذي بأيديهم ، فإذا كان تعالى هو المنفرد بالخلق والتدبير ، وهو القاهر فوق عباده ، وقد اعتنى بهم كل الاعتناء ، في جميع أحوالهم ، وهو الذي له الحكم القدري ، والحكم الشرعي ، والحكم الجزائي ، فأين للمشركين العدولُ عن من هذا وصفه ونعته ، إلى عبادة من ليس له من الأمر شيء ، ولا عنده مثقال ذرة من النفع ، ولا له قدرة وإرادة ؟ ! .
أما والله لو علموا حلم الله عليهم ، وعفوه ورحمته بهم ، وهم يبارزونه بالشرك والكفران ، ويتجرءون على عظمته بالإفك والبهتان ، وهو يعافيهم ويرزقهم لانجذبت ، دواعيهم إلى معرفته ، وذهلت عقولهم في حبه . ولمقتوا أنفسهم أشد المقت ، حيث انقادوا لداعي الشيطان ، الموجب للخزي والخسران ، ولكنهم قوم لا يعقلون .
{ 63 ، 64 } { قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ }
ثم صرح - سبحانه - بأن مصير الخلق جميعا إليه فقال : { ثُمَّ ردوا إلى الله مَوْلاَهُمُ الحق } أى : ثم رد الله - تعالى - هؤلاء الذين توفتهم الملائكة إلى مالكهم الحق الذى لا يشوب ملكه باطل ليتولى حسابهم وجزاءهم على أعمالهم .
فالضمير { ردوا } يعود على الخلائق الذين توفتهم الملائكة والمدلول عليهم بأحد . والسر فى الإفراد أولا الجمع ثانياً وقوع التوفى على الأفراد والرد على الاجتماع . أى : ردوا بعد البعث فيحكم فيهم بعدله . قال - تعالى - { قُلْ إِنَّ الأولين والآخرين لَمَجْمُوعُونَ إلى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } وقيل إن الضمير فى { ردوا } يعود على الملائكة . أى : ثم ردوا أولئك الرسل بعد إتمام مهمتهم بإماتة جميع الناس فيموتون هم أيضاً . وجملة { أَلاَ لَهُ الحكم وَهُوَ أَسْرَعُ الحاسبين } تذييل ولذلك ابتدىء بأداة الاستفتاح المؤذنة بالتنبيه إلى أهمية الخبر .
أى : ألا له الحكم النافذ لا لغيره وهو - سبحانه - أسرع الحاسبين لأنه لا يحتاج إلى ما يحتاج إليه الخلائق من تفكر واشتغال بحساب عن حساب .
وبذلك تكون هذه الآيات الثلاث قد أقامت أقوى البراهين وأصحها على كمال قدرة الله ، ونفاذ إرادته ، ومحاسبته لعباده يوم القيامة على ما قدموا وأخروا .
الضمير في قوله : { رُدّوا } عائد إلى { أحد } باعتبار تنكيره الصادق بكلّ أحد ، أي ثمّ يُردّ المتوفَّوْن إلى الله . والمراد رجوع الناس إلى أمر الله يوم القيامة ، أي ردّوا إلى حكمه من نعيم وعذاب ، فليس في الضمير التفات .
والمولى هنا بمعنى السيد ، وهو اسم مشترك يطلق على السيد وعلى العبد .
و { الحقّ } بالجرّ صفة ل { مولاهم } ، لما في { مولاهم } من معنى مالكهم ، أي مالكهم الحقّ الذي لا يشوب مِلكه باطلٌ يُوهن ملكه . وأصل الحقّ أنَّه الأمر الثابت فإن كلّ ملك غير ملك الخالقية فهو مشوب باستقلال مملوكه عنه استقلالاً تفاوتاً ، وذلك يُوهن المِلك ويضعف حقّيّته .
وجملة : { ألا لَهُ الحكمُ وهو أسرع الحاسبين } تذييل ولذلك ابتدىء بأداة الاستفتاح المؤذنة بالتنبيه إلى أهمية الخبر . والعرب يجعلون التذييلات مشتملة على اهتمام أو عموم أو كلام جامع .
وقدّم المجرور في قوله { له الحكم } للاختصاص ، أي له لا لغيره ، فإن كان المراد من الحكم جنس الحكم فقصره على الله إمَّا حقيقي للمبالغة لعدم الاعتداد بحكم غيره ، وإمَّا إضافي للردّ على المشركين ، أي ليس لأصنامكم حكم معه ، وإن كان المراد من الحكم الحساب ، أي الحكم المعهود يوم القيامة ، فالقصر حقيقي . وربَّما ترجَّح هذا الاحتمال بقوله عقبه : { وهو أسرع الحاسبين } أي ألاَ له الحساب ، وهو أسرع من يحاسب فلا يتأخَّر جزاؤه .
وهذا يتضمَّن وعداً ووعيداً لأنَّه لمَّا أتي بحرف المهلة في الجمل المتقدّمة وكان المخاطبون فريقين : فريق صالح وفريق كافر ، وذكر أنَّهم إليه يرجعون كان المقام مقام طماعية ومخالفة ؛ فالصالحون لا يحبّون المهلة والكافرون بعكس حالهم ، فعُجِّلت المسرّة للصالحين والمساءة للمشركين بقوله : { وهو أسرع الحاسبين } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.