النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{ثُمَّ رُدُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوۡلَىٰهُمُ ٱلۡحَقِّۚ أَلَا لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَهُوَ أَسۡرَعُ ٱلۡحَٰسِبِينَ} (62)

قوله عز وجل : { ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاَهُم الحَقِّ } وفي متولِّي لرد قولان :

أحدهما : أنهم الملائكة التي توفتهم .

والثاني : أنه الله بالبعث والنشور .

وفي ردهم إلى الله وجهان :

أحدهما : معناه ردهم إلى تدبير الله وحده ، لأن الله دبرهم عند خلقهم وإنشائهم ، ثم مكَّنهم من التصرف فصاروا في تدبير أنفسهم ، ثم كَفَّهم عنه بالموت فصاروا في تدبير الله كالحالة الأولى ، فصاروا بذلك مردودين إليه .

والثاني : أنهم ردوا إلى الموضع الذي لا يملك الحكم عليهم فيه إلا الله ، فجعل الرد إلى ذلك الموضع رداً إليه .

فإن قيل : فكيف قال : { مَوْلاَهُمُ الحَقِّ } وقد قال :

{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَأَنَّ الكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُم }

[ محمد : 11 ] . قيل : عنه جوابان :

أحدهما : أنه قال هذا لأنهم دخلوا في جملة غيرهم من المؤمنين المردودين فعمَّهم اللفظ .

والثاني : أن المولى قد يعبر به عن الناصر تارة وعن السيد أخرى ، والله لا يكون ناصراً للكافرين ، وهو سيد الكافرين والمؤمنين .

و { الحَق } هنا يحتمل ثلاثة أوجه :

أحدهما : أن الحق هو من أسمائه تعالى .

والثاني : لأنه مستحق الرد عليه .

والثالث : لحُكْمِهِ فيهم بالرد .

{ أَلاَ لَهُ الحُكْمُ } يعني القضاء بين عباده .

فإن قيل : فقد جعل لغيره الحكم ؟

فعنه جوابان :

أحدهما : أن له الحكم في يوم القيامة وحده .

والثاني : أن غيره يحكم بأمره فصار الحكم له .

ويحتمل قوله : { أَلاَ لَهُ الحُكْمُ } وجهاً ثانياً : أن له أن يحكم لنفسه فصار بهذا الحكم مختصاً .

{ وَهُوَ أَسْرَعُ الحَاسِبِينَ } يحتمل وجهين :

أحدهما : يعني سرعة الحكم بين العباد لتعجيل الفصل ، وعبر عن الحكم بالحساب من تحقيق المستوفِي بهما من قليل وكثير .

والثاني : وهو الظاهر أنه أراد سرعة محاسبة العباد على أعمالهم .

ويحتمل مراده بسرعة حسابه وجهين .

أحدهما : إظهار قدرته بتعجيل ما يعجز عنه غيره .

والثاني : أنه يبين به تعجيل ما يستحق عليه من ثواب ، وتعجيل ما يستحق على غيره من عقاب جمعاً بين إنصافه وانتصافه{[893]} .


[893]:- من ويحتمل قوله إلى هنا سقط من ق.