البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ثُمَّ رُدُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوۡلَىٰهُمُ ٱلۡحَقِّۚ أَلَا لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَهُوَ أَسۡرَعُ ٱلۡحَٰسِبِينَ} (62)

{ ثم ردّوا إلى الله مولاهم الحق } الظاهر عود الضمير على العباد ، وجاء عليكم على سبيل الالتفات لما في الخطاب من تقريب الموعظة من السامعين ، ويحتمل أن يعود الضمير في { ردّوا } على أحدكم على المعنى لأنه لا يريد ب { أحدكم } ظاهره من الإفراد إنما معناه الجمع وكأنه قيل : حتى إذا جاءكم الموت ، وقرىء { ردّوا } بكسر الراء نقل حركة الدال التي أدغمت إلى الراء والراد المحذر من الله أو بالبعث في الآخرة أو الملائكة ردّتهم بالموت إلى الله .

وقيل : الضمير يعود على { رسلنا } أي الملائكة يموتون كما يموت بنو آدم ويردّون إلى الله تعالى وعوده على العباد أظهر و { مولاهم } لفظ عام لأنواع الولاية التي تكون بين الله وبين عبيده من الملك والنصرة والرزق والمحاسبة وغير ذلك ، وفي الإضافة إشعار برحمته لهم وظاهر الإخبار بالرد إلى الله أنه يراد به البعث والرجوع إلى حكم الله وجزائه يوم القيامة ويدل عليه آخر الآية .

وقال أبو عبد الله الرازي : صريح الآية يدل على حصول الموت للعبد ورده إلى الله والميت مع كونه ميتاً لا يمكن أن يرد إلى الله بل المردود هو النفس والروح وهنا موت وحياة ، فالموت نصيب البدن والحياة نصيب النفس والروح فثبت أن الإنسان ليس إلا النفس والروح وليس عبارة عن مجرد هذه البنية وفي قوله : { ردّوا إلى الله } إشعار بكون الروح موجودة قبل البدن لأن الرد من هذا العالم إلى حضرة الجلال إنما يكون إذا كانت موجودة قبل التعلق بالبدن ونظيره { ارجعي إلى ربك } { إلى الله مرجعكم جميعاً } وجاء في الحديث : « خلقت الأرواح قبل الأجساد بألفي عام » .

وحجة الفلاسفة على كون النفوس غير موجودة قبل وجود البدن ضعيفة وبينا ضعفها في الكتب العقلية ؛ انتهى كلامه وفيه بعض تلخيص .

وقال أيضاً : { إلى الله } يشعر بالجهة وهو باطل فوجب حمله على أنهم ردّوا إلى حيث لا مالك ولا حاكم سواه ؛ انتهى .

والظاهر أن هذا الرد هو بالبعث يوم القيامة إلا ما أراده الرازي ووصفه تعالى بالحق معناه العدل الذي ليس بباطل ولا مجاز .

وقال أبو عبد الله الرازي : كانوا في الدنيا تحت تصرفات الموالي الباطلة وهي النفس والشهوة والغضب كما قال تعالى : { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه } فلما مات تخلص من تصرفات الموالي الباطلة وانتقل إلى تصرف المولى الحق انتهى كلامه .

وتفسيره خارج عن مناحي كلام العرب ومقاصدها وهو في أكثره شيبة بكلام الذين يسمون أنفسهم حكماء .

وقرأ الحسن والأعمش { الحق } بالنصب والظاهر أنه صفة قطعت فانتصبت على المدح وجوز نصبه على المصدر تقديره الرد الحق .

{ ألا له الحكم } تنبيه منه تعالى عباده بأن جميع أنواع التصرفات له .

وقال الزمخشري : { ألا له الحكم } يومئذ لا حكم فيه لغيره .

{ وهو أسرع الحاسبين } تقدم الكلام في سرعة حسابه تعالى في قوله : { والله سريع الحساب }