غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ثُمَّ رُدُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوۡلَىٰهُمُ ٱلۡحَقِّۚ أَلَا لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَهُوَ أَسۡرَعُ ٱلۡحَٰسِبِينَ} (62)

61

{ ثم ردوا إلى الله } أي إلى حكمه وجزائه { مولاهم الحق } صفتان والضمير في { ردوا } إما للملائكة يعني كما يموت بنو آدم يموت أولئك الملائكة ، أو إلى البشر أي أنهم بعد موتهم يردون إلى الله تعالى والمعنى أنهم كانوا في الدنيا تحت تصرفات الموالي الباطلة وهي النفس والشهوة والغضب ، فإذا ماتوا انتقلوا إلى تصرف المولى الحق . وفيه إشعار بأن الإنسان شيء آخر وراء هذا الهيكل المحسوس فإن هذا الهيكل يبقى ميتاً والإنسان مردود إليه تعالى . وفي لفظ الرد إشارة إلى أن الروح كان موجوداً قبل البدن وقد تعلق به زماناً ثم ردّ إلى موضعه الأصلي وهو عالم الأرواح بجذبة { ارجعي إلى ربك } [ الفجر : 28 ] { ألا له الحكم } كقوله : { إن الحكم إلا لله } [ الأنعام : 57 ] { وهو أسرع الحاسبين } حساباً قيل : إنه تعالى يحاسب الخلق بنفسه دفعة واحدة فلا يشغله كلام عن كلام . وقيل : يحاسب كل إنسان واحد من الملائكة بإذن الله تعالى لأنه لو حاسب الكفار بذاته لتكلم معهم وهو محال لقوله { ولا يكلمهم الله } [ البقرة : 174 ] وقال الحكيم : معنى سرعة المحاسبة ظهور الملكات في الهيآت على النفس في آن قطع التعلق ، قليلة كانت أو كثيرة ، حميدة أو ذميمة ، وبعد تعارض البعض بالبعض يبقى ما هو أغلب وبحسب ذلك يكون الثواب أو ضده . وذلك أنه لا يحصل للإنسان لحظة ولا لمحة ولا حركة ولا سكون إلا ويظهر منها في جوهر نفسه أثر من آثار السعادة أو ضدها قل أو كثر وهو المراد بكتبة الأعمال . قال الجبائي - هاهنا : لو كان كلامه قديماً لوجب أن يكون متكلماً بالمحاسبة الآن وقبل خلقه وذلك محال لأن المحاسبة تقتضي حكاية عمل تقدم . وعورض بالعلم فإنه كان قبل العالم عالماً بأنه سيوجد وبعد وجوده صار عالماً بأنه وجد ولا يلزم منه تغير العلم .

/خ73