محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{ثُمَّ رُدُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوۡلَىٰهُمُ ٱلۡحَقِّۚ أَلَا لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَهُوَ أَسۡرَعُ ٱلۡحَٰسِبِينَ} (62)

/ [ 62 ] { ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ( 62 ) }

{ ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق } أي : الذي يتولى أمورهم . و { الحق } : العدل الذي لا يحكم إلا بالحق . قال ابن كثير : الضمير للملائكة . أو للخلائق المدلول عليهم ب ( أحد ) . والإفراد أولا ، والجمع آخرا لوقوع التوفي على الانفراد ، والرد على الاجتماع . أي : ردوا بعد البعث ، فيحكم فيهم بعدله ، كما قال : { قل إن الأولين والآخرين ، لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم }{[3492]} . وقال : { وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا }{[3493]} إلى قوله : { ولا يظلم ربك أحدا } ولهذا قال : { مولاهم الحق } .

{ ألا له الحكم } يومئذ لا حكم فيه لغيره ، { وهو أسرع الحاسبين } يحاسب الخلائق في أسرع زمان .

فوائد :

الأول- قال ابن كثير : ونذكر ههنا الحديث الذي رواه الإمام {[3494]}أحمد عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إن الميت تحضره/ الملائكة ، فإذا كان الرجل الصالح ، قالوا : اخرجي أيتها النفس الطيبة ، كانت في الجسد الطيب ، أخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ، ورب غير غضبان ، فلا يزال يقال ذلك ، حتى تخرج . ثم يعرج بها إلى السماء ، فيستفتح لها ، فيقال : من هذا ؟ فيقال : فلان . فيقولون ، مرحبا بالنفس الطيبة ، كانت في الجسد الطيب ، ادخلي حميدة ، وابشري بروح وريحان ، ورب غير غضبان . فلا يزال يقال لها ، حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل . وإذا كان الرجل السوء ، قالوا : اخرجي أيتها النفس الخبيثة ، كانت في الجسد الخبيث . اخرجي ذميمة ، وأبشري بحميم وغساق ، وآخر من شكله أزواج . فلا يزال حتى تخرج ، ثم يعج بها إلى السماء ، فيستفتح لها ، فيقال : من هذا ؟ فيقال : فلان  ! فيقال : لا مرحبا بالنفس الخبيثة ، كانت في الجسد الخبيث . ارجعي ذميمة ، فإنه لا يفتح لك أبواب السماء ، فترسل من السماء ، ثم تصير إلى القبر . فيجلس الرجل الصالح ، فيقال له مثل ما قيل في الحديث الأول ، ويجلس الرجل السوء ، فيقال له مثل ما قيل في الحديث الأول " . قال الحافظ ابن كثير : هذا حديث غريب .

الثانية- قال بعض أهل الكلام : إن لكل حاسة من هذه الحواس روحا تقبض عند النوم ، ثم ترد إليها إذا ذهب النوم . فأما الروح التي تحيا بها النفس ، فإنها لا تقبض إلا عند انقضاء الأجل . والمراد بالأرواح ، المعاني والقوى التي تقوم بالحواس ، ويكون بها السمع والبصر ، والأخذ والمشي والشم . ومعنى : { ثم يبعثكم فيه } أي : يوقظكم ، ويرد إليكم أرواح الحواس ، فيستدل به على منكري البعث ، لأنه بالنوم يذهب أرواح هذه الحواس ، ثم يردها إليها . فكذا يحيى الأنفس بعد موتها- نقله النسفي- .

الثالثة- قال الخازن : فإن قلت : قال الله تعالى في آية : { الله يتوفى الأنفس حين موتها }{[3495]} / وقال في آية أخرى : { قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم }{[3496]} ، وقال هنا : { توفته رسلنا } ، فكيف الجمع بين هذه الآيات ؟

قلت : وجه الجمع أن المتوفي في الحقيقة هو الله . فإذا حضر أجل العبد ، أمر الله ملك الموت بقبض روحه ، ولملك الموت أعوان من الملائكة ، يأمرهم بنزع روح ذلك العبد من جسده . فإذا وصلت إلى الحلقوم ، تولى قبضها ملك الموت نفسه ، فحصل الجمع .

قال مجاهد : جعلت الأرض لملك الموت ، مثل الطشت ، يتناول من حيث شاء . وجعلت له أعوان ينزعون الأنفس ثم يقبضها منهم . انتهى .


[3492]:- [56/ الواقعة/ 49 و50].
[3493]:- [18/ الكهف/ 47-49] ونصها: {ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا (47) وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لم موعدا (48) ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا (49)}.
[3494]:- رواه في المسند بالصفحة رقم 364 من الجزء الثاني (طبعة الحلبي).
[3495]:- [39/ الزمر/ 42] ونصها: {الله يتوفى النفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون (42)}.
[3496]:- [32/ السجدة/ 11] {ثم إلى ربكم ترجعون (11)}.